وسط الأهوال و المعارك الضارية .. عرب في أوكرانيا يحكون تجاربهم لـموقع قناة الحرة
الحرة
Thursday, April 21, 2022
في الأسبوع الثالث من الحرب الروسية على أوكرانيا، قرر أستاذ تاريخ اللغات الشرقية في جامعة كييف الوطنية، منصور القاضي، الذي كان يقضي إجازة نهاية الأسبوع مع أسرته في خيرسون، أن يكون ضمن أول قافلة تخرج من المدينة رغم خطورة المغامرة وسط الحصار الذي فرضته القوات العسكرية، بحسب ما روى لموقع "الحرة".
أما رامي السرطاوي، الذي تحدث لموقع "الحرة" من سومي، الواقعة في شمال شرق البلاد، المحاذية لروسيا، فقد انضم لمجموعة من المتطوعين لقتال الجيش الروسي الذي دخل مدينته أيضا.
واحتلت القوات الروسية مدينتي سومي وخيرسون في اليوم الأول من الغزو في 24 فبراير الماضي، قبل أن يتمكن الأوكرانيون سريعا من دحر المحتلين، سريعا من المدينة الأولى، ومن الثانية بعد 8 أشهر.
"لم نكن نعلم ماذا يحدث"
ولد السرطاوي، وهو من أصل فلسطيني، في الكويت، ثم هاجرت أسرته بعد حرب الخليج وبالتحديد في عام 1995، وتوجهت إلى الأردن، حيث قضى عامين فقط، حصل فيهما على شهادة الثانوية، ثم توجه إلى أوكرانيا بعد أن اخذ بنصيحة بعض أصدقائه الذين توجهوا إلى كييف للدراسة، وظل هناك لمدة 24 عاما.
درس السرطاوي هندسة البرمجيات في أوكرانيا، وكذلك إدارة الأعمال، وحصل على دورات في العلاج الطبيعي، ولديه ابنتان وولد، تبلغ أعمارهم ما بين خمسة إلى 14 عاما من زوجته الأوكرانية.
في 24 فبراير الماضي، فوجئ السرطاوي بانفجار يهز المدينة، "لم نكن نعلم ماذا يحدث، ذهبت إلى موقع الانفجار مع آخرين ولم نستطع أن نحصل على معلومات".
في اليوم التالي فتح مسؤولون في المدينة مخازن الأسلحة في المدينة للشعب، بعد أن اختفت قوات الجيش والشرطة والاستخبارات الأوكرانية، "وبالفعل جمعت أنا وبعض الشباب الكثير من الأسلحة ثم ذهبنا لموقع آخر فيه الذخيرة، وهناك قابلت ضابطا متقاعدا يبلغ من العمر 68 عاما، يجمع الناس للقتال والدفاع عن المدينة"، يقول السرطاوي.
كان هذا الضابط المتقاعد يعاني من عدم إمكانية الوقوف بشكل طبيعي فعرضت عليه المساعدة بحكم دراستي للعلاج الطبيعي، وبالفعل وافق وعالجته، فطلب مني أن أكون مسؤولا عن القسم الطبي في الجيش التطوعي الذي يشكله.
ويضيف: "في نفس الوقت، كانت المنطقة التي أسكن فيها خالية من أي مظاهر تأمينية والناس خائفون، فكونت مجموعة أخرى لتأمين المنطقة وحراستها وأعطيت المسؤولين عن الحراسة أسلحة"، مشيرا إلى أن السلاح أصبح مطلوبا "حتى أنه كان يمكنك أن تبدله بسيارة".
وقال لموقع "الحرة": "في يوم 25 فبراير، جمعت الشباب وشكلنا أربعة مجموعات وكل مجموعة مكونة من 10 أشخاص وكل مجموعة مسؤولة عن منطقة للحراسة الليلية، حتى لا تحدث سرقات وأيضا حى نكون مستعدين لدخول القوات الروسية".
مقاومة مذهلة
اقتحمت الدبابات الروسية مدينة سومي بسهولة، "كانت مشكلتنا أننا لا نعلم ما إذا كانت تتبع الجيش الأوكراني أم الروسي، لم تكن علي الدبابات أي علامات، حتى وصلت إلى مركز المدنية".
"وعندما علمنا أن الجيش الأوكراني كله تم استدعاؤه للعاصمة كييف واختفت الشرطة والمخابرات، بدأ الجيش التطوعي في العمل على تحطيم الدبابات، حرقنا تقريبا 40 دبابة، وأسرنا الكثير من الجنود الروس وسلمناهم للجيش عندما عاد للمدينة بعد شهر ونصف".
كانت المقاومة الشعبية في هذه المدينة خلال فترة الاحتلال الروسي لها ما بين 24 فبراير وحتى شهر أبريل مذهلة، بحسب السرطاوي.
ويقول: "في الأول من مارس والثاني من مارس، أقمنا أول نقطة أمنية عند مدخل المدينة، بقيادة هذا الضابط المتقاعد الذي قاد المقاومة".
ولأن القوات الروسية كانت تقصد التوجه إلى العاصمة كييف للسيطرة عليها، كان يجب عليها أن تمر على مدينة سومي، "نحن أوقفناهم بأسلحة بسيطة مثل الأر بي جيه وبقنابل يدوية وجرافات، فضلا عن أننا كنا نبلغ السلطات بإحداثيات معينة لضرب القوات الروسية من خلال طائرات "البيراقدار" المسيرة. هذا ساعدنا كثيرا".
وقتل حوالى 152 مدنيا في منطقة سومي منذ بدء الحرب بحسب تصريحات رسمية.
وتتعرض المدن والبلدات الواقعة على طول حدود أوكرانيا الممتدة على 564 كيلومترا مع روسيا لقصف شبه يومي بصواريخ غراد ومدافع هاوتزر وقذائف هاون.
تهريب الطلاب الأجانب
في الأسابيع الأولى من الغزو الروسي، كان الوصول إلى المدينة معقدا جدا، وعلق آلاف الطلاب الأجانب خصوصا من دول في شرق أفريقيا أو جنوبها، في مدينة سومي.
من بين الأجانب، كان العشرات من الطلاب العرب الأجانب في المدينة، "ولأنني قديم هنا، كان الأهالي يتصلون بي ويطلبون مني إخراج الشباب بأي طريقة"، مضيفا أن "هذا الأمر كان من أكثر الأمور صعوبة، لأن الطريق كان مغلقا بسبب الحصار الروسي، حتى أن الهلال الأحمر لم يستطع دخول المدينة حتى 12 مارس تقريبا".
ويقول: "جمعت عددا من الأصدقاء ورسمنا طريقا يسلك فيه شخص كل عدة كيلو مترات بسيارته ويبحث عن بيت للمبيت فيه في هذه المنطقة ويكون شخص مسؤول عن الاتصال معنا ليبلغنا بآخر التطورات وإن كان هناك قوات روسية أم لا، حيث قسمنا المناطق إلى ثلاثة: المنطقة الخضراء والصفراء والحمراء".
ويوضح: "المنطقة الخضراء يمكن أن يمر فيها الأجنبي ويمكن تهريبه من خلالها، أما الصفراء فلا يمكن المكوث فيها لكن يمكن المرور منها بشكل سريع، أما الحمراء فممنوع أن يصل إليها أحد".
ويقول السرطاوي: "بداية من الثاني من مارس وحتى الثامن من مارس سامهت في خروج خمسة طوابير، كل طابور كان عبارة عن 6 سيارات. كان هناك 1500 أجنبي تقريبا، الهلال الحمر ساهم في خروج ألف، وأنا مع مجموعتي ساهمنا في خروج 500 شخص تقريبا".
ويقول "الفلسطينيون تقريبا كلهم سافروا إلى بلجيكا لأنهم يحصلون على الجنسية بسرعة ولأن الدولة تعطي مساعدات للفلسطينيين، أما السوريون والعراقيون فتوجهوا إلى ألمانيا بشكل أكبر، والأردنيون إلى أوروبا بشكل عام".
وفر من سومي التي كان يبلغ عدد سكانها حوالي 300 ألفا، حوالي 150 ألفا من المدينة، خلال الحصار الذي فرضته القوات الروسية التي فشلت في السيطرة عليها بالكامل.
في الأسبوع الثالث من الحرب الروسية على أوكرانيا، قرر أستاذ تاريخ اللغات الشرقية في جامعة كييف الوطنية، منصور القاضي، الذي كان يقضي إجازة نهاية الأسبوع مع أسرته في خيرسون، أن يكون ضمن أول قافلة تخرج من المدينة رغم خطورة المغامرة وسط الحصار الذي فرضته القوات العسكرية، بحسب ما روى لموقع "الحرة".
أما رامي السرطاوي، الذي تحدث لموقع "الحرة" من سومي، الواقعة في شمال شرق البلاد، المحاذية لروسيا، فقد انضم لمجموعة من المتطوعين لقتال الجيش الروسي الذي دخل مدينته أيضا.
واحتلت القوات الروسية مدينتي سومي وخيرسون في اليوم الأول من الغزو في 24 فبراير الماضي، قبل أن يتمكن الأوكرانيون سريعا من دحر المحتلين، سريعا من المدينة الأولى، ومن الثانية بعد 8 أشهر.
"لم نكن نعلم ماذا يحدث"
ولد السرطاوي، وهو من أصل فلسطيني، في الكويت، ثم هاجرت أسرته بعد حرب الخليج وبالتحديد في عام 1995، وتوجهت إلى الأردن، حيث قضى عامين فقط، حصل فيهما على شهادة الثانوية، ثم توجه إلى أوكرانيا بعد أن اخذ بنصيحة بعض أصدقائه الذين توجهوا إلى كييف للدراسة، وظل هناك لمدة 24 عاما.
درس السرطاوي هندسة البرمجيات في أوكرانيا، وكذلك إدارة الأعمال، وحصل على دورات في العلاج الطبيعي، ولديه ابنتان وولد، تبلغ أعمارهم ما بين خمسة إلى 14 عاما من زوجته الأوكرانية.
في 24 فبراير الماضي، فوجئ السرطاوي بانفجار يهز المدينة، "لم نكن نعلم ماذا يحدث، ذهبت إلى موقع الانفجار مع آخرين ولم نستطع أن نحصل على معلومات".
في اليوم التالي فتح مسؤولون في المدينة مخازن الأسلحة في المدينة للشعب، بعد أن اختفت قوات الجيش والشرطة والاستخبارات الأوكرانية، "وبالفعل جمعت أنا وبعض الشباب الكثير من الأسلحة ثم ذهبنا لموقع آخر فيه الذخيرة، وهناك قابلت ضابطا متقاعدا يبلغ من العمر 68 عاما، يجمع الناس للقتال والدفاع عن المدينة"، يقول السرطاوي.
كان هذا الضابط المتقاعد يعاني من عدم إمكانية الوقوف بشكل طبيعي فعرضت عليه المساعدة بحكم دراستي للعلاج الطبيعي، وبالفعل وافق وعالجته، فطلب مني أن أكون مسؤولا عن القسم الطبي في الجيش التطوعي الذي يشكله.
ويضيف: "في نفس الوقت، كانت المنطقة التي أسكن فيها خالية من أي مظاهر تأمينية والناس خائفون، فكونت مجموعة أخرى لتأمين المنطقة وحراستها وأعطيت المسؤولين عن الحراسة أسلحة"، مشيرا إلى أن السلاح أصبح مطلوبا "حتى أنه كان يمكنك أن تبدله بسيارة".
وقال لموقع "الحرة": "في يوم 25 فبراير، جمعت الشباب وشكلنا أربعة مجموعات وكل مجموعة مكونة من 10 أشخاص وكل مجموعة مسؤولة عن منطقة للحراسة الليلية، حتى لا تحدث سرقات وأيضا حى نكون مستعدين لدخول القوات الروسية".
مقاومة مذهلة
اقتحمت الدبابات الروسية مدينة سومي بسهولة، "كانت مشكلتنا أننا لا نعلم ما إذا كانت تتبع الجيش الأوكراني أم الروسي، لم تكن علي الدبابات أي علامات، حتى وصلت إلى مركز المدنية".
"وعندما علمنا أن الجيش الأوكراني كله تم استدعاؤه للعاصمة كييف واختفت الشرطة والمخابرات، بدأ الجيش التطوعي في العمل على تحطيم الدبابات، حرقنا تقريبا 40 دبابة، وأسرنا الكثير من الجنود الروس وسلمناهم للجيش عندما عاد للمدينة بعد شهر ونصف".
كانت المقاومة الشعبية في هذه المدينة خلال فترة الاحتلال الروسي لها ما بين 24 فبراير وحتى شهر أبريل مذهلة، بحسب السرطاوي.
ويقول: "في الأول من مارس والثاني من مارس، أقمنا أول نقطة أمنية عند مدخل المدينة، بقيادة هذا الضابط المتقاعد الذي قاد المقاومة".
ولأن القوات الروسية كانت تقصد التوجه إلى العاصمة كييف للسيطرة عليها، كان يجب عليها أن تمر على مدينة سومي، "نحن أوقفناهم بأسلحة بسيطة مثل الأر بي جيه وبقنابل يدوية وجرافات، فضلا عن أننا كنا نبلغ السلطات بإحداثيات معينة لضرب القوات الروسية من خلال طائرات "البيراقدار" المسيرة. هذا ساعدنا كثيرا".
وقتل حوالى 152 مدنيا في منطقة سومي منذ بدء الحرب بحسب تصريحات رسمية.
وتتعرض المدن والبلدات الواقعة على طول حدود أوكرانيا الممتدة على 564 كيلومترا مع روسيا لقصف شبه يومي بصواريخ غراد ومدافع هاوتزر وقذائف هاون.
تهريب الطلاب الأجانب
في الأسابيع الأولى من الغزو الروسي، كان الوصول إلى المدينة معقدا جدا، وعلق آلاف الطلاب الأجانب خصوصا من دول في شرق أفريقيا أو جنوبها، في مدينة سومي.
من بين الأجانب، كان العشرات من الطلاب العرب الأجانب في المدينة، "ولأنني قديم هنا، كان الأهالي يتصلون بي ويطلبون مني إخراج الشباب بأي طريقة"، مضيفا أن "هذا الأمر كان من أكثر الأمور صعوبة، لأن الطريق كان مغلقا بسبب الحصار الروسي، حتى أن الهلال الأحمر لم يستطع دخول المدينة حتى 12 مارس تقريبا".
ويقول: "جمعت عددا من الأصدقاء ورسمنا طريقا يسلك فيه شخص كل عدة كيلو مترات بسيارته ويبحث عن بيت للمبيت فيه في هذه المنطقة ويكون شخص مسؤول عن الاتصال معنا ليبلغنا بآخر التطورات وإن كان هناك قوات روسية أم لا، حيث قسمنا المناطق إلى ثلاثة: المنطقة الخضراء والصفراء والحمراء".
ويوضح: "المنطقة الخضراء يمكن أن يمر فيها الأجنبي ويمكن تهريبه من خلالها، أما الصفراء فلا يمكن المكوث فيها لكن يمكن المرور منها بشكل سريع، أما الحمراء فممنوع أن يصل إليها أحد".
ويقول السرطاوي: "بداية من الثاني من مارس وحتى الثامن من مارس سامهت في خروج خمسة طوابير، كل طابور كان عبارة عن 6 سيارات. كان هناك 1500 أجنبي تقريبا، الهلال الحمر ساهم في خروج ألف، وأنا مع مجموعتي ساهمنا في خروج 500 شخص تقريبا".
ويقول "الفلسطينيون تقريبا كلهم سافروا إلى بلجيكا لأنهم يحصلون على الجنسية بسرعة ولأن الدولة تعطي مساعدات للفلسطينيين، أما السوريون والعراقيون فتوجهوا إلى ألمانيا بشكل أكبر، والأردنيون إلى أوروبا بشكل عام".
وفر من سومي التي كان يبلغ عدد سكانها حوالي 300 ألفا، حوالي 150 ألفا من المدينة، خلال الحصار الذي فرضته القوات الروسية التي فشلت في السيطرة عليها بالكامل.
وعندما سألنا السرطاوي عن سبب عدم خروجه بعد أن أرسل لنا فيديوهات تدل على إخراجه العديد من الأسر العربية من المدينة خلال الحصار الروسي للمدينة، قال إنه لم يخطر بباله مغادرة أوكرانيا بعد 24 عاما من البقاء فيها، رغم أن القانون يسمح له بمغادرة البلاد نظرا لأن لديه ثلاثة أطفال.
ويقول إن "الرجال ممنوعون من السفر لأنهم تحت طلب الجيش، إلا إذا كان الرجل لديه ثلاثة أطفال، ويمكنني أن أخرج في أي وقت، لكن أنا هنا منذ 24 عاما، تعلمت في هذه البلاد وأدير أشغالا كثيرة هنا وأولادي وزوجتي أوكرانيون، ولذلك لم يخطر على بالنا أن نترك البلد".
ويشير إلى سبب عودة نحو 70 ألف شخص إلى المدينة، حتى الآن، رغم عدم انتهاء الحرب والمساعدات الجيدة التي يحصلون عليه في الدول الأوربية "لأن المعيشة في أوكرانيا تجمع ما بين الدول العربية والأوروبية، المجتمع مسالم وهناك علاقات إنسانية بين الجيران وراحة نفسية، فضلا عن أن القوانين هنا سلسة".
وقال: "البعض عادوا وقالوا لم نستطع التأقلم في أوروبا، رغم أن الدولار مقابل الجريفن الأوكراني كان بـ27 قبل الحرب، وصار بأكثر من 41 جريفن".
وفي الثامن من أبريل، أعلن حاكم سومي دميترو جيفيتسكي، أن المنطقة صارت خالية من "الخبيثين"، في إشار إلى القوات الغازية، "جاءت الشرطة والمخابرات والمحافظ واستلموا المدينة وصار الجيش التطوعي قانونيا وأصبح له اسم خاص "باتاليون واحد واثنان وثلاثة"، كل منهم به حوالي 900 جندي وله مراكز بالمدينة يحرسها، وأصبح كل شخص في الجيش التطوعي يحصل شهريا على 150 دولار، بالإضافة إلى الطعام والملابس والسلاح"، بحسب السرطاوي.
يدرب السرطاوي حاليا المدنيين والعسكريين يوميا على الإسعافات الأولية في دورات طوعية في جامعتين، ويشرف على القسم الطبي في الجيش الثالث التطوعي.
ويقول: "تدربت على يد أميركيين وأصبحت مدربا معتمدا في هذا المجال، يوميا أدرب 25 شخصا بعضهم من الجيش أو ممن يعملون في المصانع أو المصالح الحكومية حتى يكونوا مستعدين لأي طارئ في حال وجود عدوان روسي جديد".
"ساعتان فقط"
سافر منصور القاضي إلى أوكرانيا لدراسة الماجستير في 1985 وتزوج هناك من أوكرانية عام 1991 ثم سافر إلى اليمن.
ويضيف: "عام 1994 عدت إلى أوكرانيا مع زوجتي لدراسة الدكتوراة حتى 1995 ثم عدت إلى بلدي مجددا، وعملت في جامعة صنعاء أستاذا لعلم اللغويات وتاريخ اللغات الشرقية".
"في عام 2017، بعد بداية الحرب بين السعودية والمتمردين الحوثيين بعامين، غادرنا اضطرارا بعدما انقطعت المرتبات والطيران صار يقصفنا بشدة في صنعاء".
كانت حياة القاضي في أوكرانيا هادئة، بعدما صارا أستاذا في جامعة كييف الوطنية ويعود إلى أسرته في خيرسون نهاية كل أسبوع، إلى أن بدأ الغزو الروسي في 24 فبراير.
ويقول: "اتصل بي بعض الأصدقاء في الساعة الخامسة والنصف فجرا ونصحوني بمغادرة البيت لأن هناك غزوا روسيا بدأ للتو".
"كنت مخطئا"
كان القاضي قبل الحرب مثل غيره يسمع عن استعدادات روسية على الحدود، "لكنني شخصيا كنت أستبعد أن تكون هناك حرب، لأنه لا مصلحة لأي من البلدين في حدوثها، ثم فوجئت بالغزو، واتضح أن حساباتي كانت خاطئة".
ويضيف: "ظللت أبحث مع أسرتي الوضع وأين يمكننا أن أذهب، ولم يمض سوى ساعتين بالضبط حتى كانت القوات الروسية في الضاحية الجنوبية من المدينة التي أسكن فيها، لم نستطع أن نغادر البيت لمدة ثلاثة أيام في وضع صعب جدا، لأنه كان ممنوعا علينا الخروج حتى إلى الشارع المجاور".
بعد أربعة أيام من الغزو الروسي، سمح لسكان خيرسون، بالخروج إلى المتاجر التي كانت قد شحت فيها المواد الغذائية والأدوية، حتى أنه، للحصول على الدواء اللازم، كان يجب علينا البحث عنه لأكثر من ثلاثة أيام في صيدليات مختلفة، خاصة أن الحركة كانت محدودة في حدود الحي الذي يسكن فيه كل شخص".
يوضح القاضي أنه "كانت هناك نقاط عسكرية للجيش الروسي، وكنا نسمع أصوات الاشتباكات والانفجارات من حولنا بين الجيش الروسي والمقاومة الأوكرانية في الأسبوعين الأولين".
يشير إلى أنه كانت هناك مظاهرات ينظمها أوكرانيون مدنيون ضد وجود القوات الروسية التي كانت تراقبها من بعيد وتطلق النار في الهواء إذا اقتربت منها.
وعاش الأوكرانيون في الحزن والإذلال والخوف في الأشهر الأخيرة، منذ أن انتشرت القوات الروسية من شبه جزيرة القرم واحتلت مساحات شاسعة من ساحل البحر الأسود الأوكراني، بما في ذلك خيرسون.
مغامرة محفوفة بالمخاطر
خلال الأيام الأولى للحرب ورغم القصف والاشتباكات كان القاضي وأسرته يبغون الهرب بأي طريقة، "لكن كان يدور الحديث عن أناس آخرين حاولوا الخروج وأطلق الرصاص على سياراتهم وأصيب بعضهم. كنا محاصرين بسبب القوات الروسية المتواجدة حولنا داخل المدينة وكذلك نسمع صوت القصف والاشتباكات".
ويقول: "كنا في حيرة من أمرنا إذا كنا سنخرح أم ننتظر، كانت زوجتي قلقة للغاية وتبكي بشدة، ولا أعرف ماذا أفعل، كان الخوف يعترينا بشكل مفزع".
في الأسبوع الثالث من الحرب، "قررنا في النهاية الخروج لأنه لا مفر آخر أمامنا، وغادرنا بصعوبة بالغة في رحلة تشبه المغامرة"، معربا عن أن "قرار الخروج وحده كان مرعبا".
يوضح أنه كانت هناك أيام يسمح فيها بالعبور من الحي إلى خارجه، إلى الحي المجاور في إطار المحافظة.
كان القاضي وأسرته ضمن أول قافلة ضمت 20 سيارة أخرى تنجح في الخروج من خيرسون بعد الغزو الروسي عبر الطريق الساحلي، "وزعنا أنفسنا بحيث تتحرك كل ثلاث سيارات بالقرب من بعضها حتى لا يشك فينا الروس".
كانت أسرة القاضي تضم زوجته، وابنه البالغ من العمر 16 عاما، حيث أن لديه ابنة متزوجة وتعيش في اليمن، وآخر متزوج في الولايات المتحدة.
يحكي القاضي كيف وصل إلى ميكولاييف المجاورة في ظرف سبع ساعات، وهي مسافة لا تحتاج أكثر من 45 دقيقة في الأمور الطبيعية.
ويقول: "في كل نقطة عسكرية، كانت عناصر الجيش الروسي يتفحصون الهويات ويفتشون السيارة ويسألوننا عن اتجاهنا فنجيبهم باننا متجهون إلى الحي المجاور لزيارة الأهل، وهكذا تنقلنا من منطقة إلى أخرى".
ويضيف أنهم تجنبوا الطريق المباشر من خيرسون إلى ميكولاييف بسبب المواجهات العنيفة حينها، فضلا عن استهدافه بالسيارات، "كان علينا أن نسلك المناطق المتسعة الجنوبية على محاذاة ساحل البحر الأسود للالتفاف في طريق دائري من على حدود المدينة للوصول إلى ميكولاييف".
وأضاف: "خرجنا الساعة السادسة صباحا من خيرسون، وصلنا إلى حدود بولندا الساعة 12 منتصف الليل".
وفي حين فر القاضي وأسرته، رفض آخرون المغادرة مثل والد زوجته وشقيقتها، "تساءلوا إلى أين نذهب ونترك أرضنا، حياتهم شحيحة، ويزرعون أرضهم ويعلبون الأشياء في الصيف من أجل الشتاء ويعتمدون على أنفسهم".
ومن بولندا، انتقل القاضي وأسرته إلى ألمانيا ومكثوا في كولن ثلاثة أشهر، إلى أن استقدمه ابنه الذي يعيش في في كاليفورنيا في الولايات المتحدة".
نظم القاضي نداءات ومطالبات للصليب الأحمر، وقام بعمل حصر لسبعين أسرة عربية وأرسل معلوماتهم لمنظمات في بولندا والولايات المتحدة لمساعدتهم، "مع الأسف لم يصل لنا منهم شيء إلا أدوية لمرة واحدة بعدما خرجت من المدينة"
وقال "لم يتبق من العرب أحد، معظمهم وصلوا إلى السويد وألمانيا والنمسا وهولندا"، مشيرا إلى أنه زار الكثير منهم في ألمانيا وهولندا، "الاستقبال كان رائعا للقادمين من أوكرانيا".
الهروب من حربين
عندما بدأت الحرب والحصار، شعر القاضي أن التاريخ يعيد نفسه، "نفس المشاهد التي رأيتها في اليمن تتكرر في أوكرانيا، بل كانت الأخيرة أقسى".
ويقول "رأيت الطوابير على الوقود وشح في الغذاء والدواء، وهي نفس ما عشته في اليمن".
ويضيف: "أي حرب نتائجها واحدة، من تعقيدات نفسية ودمار في البنية التحتية ودمار اقتصادي وحصار".
لكنه يشير إلى أن "المواجهات في أوكرانيا كانت أكثر حدة ووحشية في أوكرانيا مما هي عليه في اليمن، رغم أنني لم أكن أتوقع ذلك بطبيعة اليمن الجبلية والعقلية القبلية".
ويشير إلى أنه يعتزم العودة إلى خيرسون عندما تهدأ الأوضاع، "هناك بيتي وعملي في الجامعة وأشياء كثيرة تربطني بأوكرانيا، والحياة فيها أجمل من أي مكان".
وانسحبت القوات الروسية من خيرسون قبل أيام، بعد ثمانية أشهر على احتلالها، تاركة الطريق مفتوحة أمام الجنود الأوكرانيين لدخول المدينة الجمعة.
وخلال انسحاب الروس من خيرسون، دمّروا منشآت حيوية، مما حرم المدينة التيار الكهربائي والمياه، في مرحلة دقيقة مع اقتراب فصل الشتاء.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها