تمثال المسيح في الأردن يجدد الجدل.. كيف تعامل المسلمون مع التماثيل عبر التاريخ؟
الحرة
Thursday, April 21, 2022
استحوذ تمثال للسيد المسيح في مدينة الفحيص الأردنية على مساحة واسعة من الجدل في الأيام الماضية، وتسبب في إثارة خلاف حول أحقية أهل البلدة -ذات الأغلبية المسيحية- في نصب التمثال، لتظهر دعوات لإزالته تحت مبررات شتى، من بينها "رفض العودة إلى الوثنية" و"التشبه بالغرب"، مقابل أصوات تؤيد وجود التمثال.
أمام الجدل الحاصل، ما هو الرأي الفقهي التقليدي في مسألة النحت وإقامة التماثيل؟ وماذا عن الاجتهادات التي أباحت ذلك النوع من الفنون؟ وما هي أشهر التماثيل التي أثارت الجدل في الدول العربية والإسلامية؟
اليهودية والإسلام: النهي عن النحت والتصوير
أكدت العقيدة اليهودية على حرمة إقامة التماثيل، وعدّت ذلك النهي واحداً من الوصايا العشر الأكثر قداسة. وجاء في الإصحاح العشرين من سفر الخروج "لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ".
سارت الشريعة الإسلامية على ذات الدرب، حيث ورد في صحيحي البخاري ومسلم الكثير من الأحاديث التي ترفض إقامة التماثيل وتتوعد من يفعل ذلك بالعذاب الأليم.
وعلى سبيل المثال "من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبداً"، و"إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون"، كما ينقل على لسان علي بن أبي طالب لمّا كلّف أحد القادة بالمسير للغزو، قوله: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله؛ ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته".
بنى الفقهاء على تلك الأحاديث السابقة، فقالوا بتحريم النحت وإقامة التماثيل لما فيها من مشابهة بصناعة الأصنام في زمن الجاهلية.
يقول ابن العربي المالكي في كتابه "المسالك في شرح موطأ مالك" موضحاً ذلك الحكم "أمَّا الوعيدُ على المصَوِّرينَ، فهو كالوعيدِ في أهلِ المعاصي، مُعَلَّقٌ بالمشيئةِ كما بيَّنَّاه، موقوفٌ على التوبةِ كما شَرَحْناه، أما كيفيَّةُ الحُكمِ فيها؛ فإنَّها مُحَرَّمةٌ إذا كانت أجسادًا، بالإجماعِ". في الحقيقة، ذهب معظم فقهاء الشيعة إلى الأمر ذاته.
على سبيل المثال أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني على سؤال عن حكم صناعة التماثيل بقوله: "لا يجوز على الأحوط تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان وغيرهما تصويراً مجسماً كالتماثيل...".
التماثيل من الفن المُباح: آراء معارضة
ذهب الكثير من الفقهاء المعاصرين لإباحة صنع التماثيل في عصرنا الحاضر.
وفسر هؤلاء رأيهم بأن علة التحريم كانت مرتبطة -بالمقام الأول- بزمن الجاهلية عندما كان الكفار يتخذون الأصنام كآلهة يتوجهون إليها بالعبادة والتقديس، أما الآن فقد زالت تلك الجاهلية ولم يعد أحد من الناس يتوجه للتماثيل بأي نوع من أنواع العبادة.
عندما زار مفتي مصر الأسبق إيطاليا، في العام 1902، قال عمّا شاهده في ميادينها من تماثيل، إن: تلك التماثيل لا تخالف الشريعة الإسلامية إن لم يُقصد منها العبادة.
وفي النصف الأول من القرن العشرين ذهب رجل الدين المغربي محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي إلى الرأي نفسه في كتابه "الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي" عندما أباح نصب التماثيل في الشوارع والميادين العامة. وقال إن: ذلك لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
مع تجدد النقاش حول تلك المسألة في سنة 2019، أصدر مجمع البحوث الإسلامية بياناً لتوضيح رأي الدين فيه، جاء فيه "الإسلام لا يحارب الفن الهادف، بل يدعو إليه، ويحث عليه... والنحت والتصوير من الفنون، فالإسلام لا يحرمه؛ ولكنه في نفس الوقت لا يبيحه بإطلاق؛ بل يقيد إباحته بقيدين هما: ألا يقصد بالشيء المنحوت أو المصور عبادته من دون الله، والقيد الثاني: أن يخلو النحت والتصوير من المضاهاة لخلق الله – عز وجل –التي يُقصد بها أن يتحدى صنعة الخالق... فإذا انتفى هذان القيدان فالنحت والتصوير ونحوهما مباح، ولا شيء فيه...".
في السياق نفسه أفتى مفتي مصر شوقي علام "بأن التماثيل التي صنعها الأقدمون قبل الإسلام تمثل تراثاً تاريخيّاً ومادة حية من مواد التاريخ لكل أمة، وهي محل التأمل والتدبر والاعتبار والتعلم، إذ يُعد ذلك كله من قبيل التناغم والتفاعل مع ما هو موجود في الكون؛ ولذا فلا يجوز تدميرها وتحطيمها باعتبار أنها محرمات أو منكرات يجب تغييرها باليد".
أشهر التماثيل في الحضارة العربية الإسلامية
شهدت الحضارة العربية الإسلامية إقامة الكثير من التماثيل رغم تحريم الفقه التقليدي للنحت، ويربط أحمد تيمور في كتابه "خيال الظل واللعب والتماثيل المصورة عند العرب" بين إقامة التماثيل وازدهار الحضارة الإسلامية فيقول: "...نشأ بينهم -يقصد المسلمين- اتخاذ التماثيل للزينة في القصور والبِرَك، وتفننوا في عملها من الحجر والرخام والجص، والذهب والفضة وغيرهما…".
يذكر الدكتور سلامة محمد علي في دراسته "نحت العناصر الحية في الفن الإسلامي" أن الخلفاء الأمويين الأوائل حفلت قصورهم بالتماثيل، وبخاصة قصر الحير الغربي في بادية الشام، وقصر خربة المفجر قرب أريحا في الأردن، وكلاهما بناهما الخليفة هشام بن عبد الملك.
كذلك تتحدث المصادر التاريخية عن إقامة عدد من التماثيل في العصر العباسي. يتحدث ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان" عن القصر المسمى بدار الشجرة في بغداد، والذي بناه الخليفة المقتدر بالله. يصف الحموي القصر فيقول: "...كان فيه بركة كبيرة... وكان على يمين البركة تماثيل لخمسة عشر فارساً على خمسة عشر فرساً، ومثله عن يسار البركة، قد أُلْبسوا أنواع الحرير المدبَّج مقلَّدين بالسيوف، وفي أيديهم المطارد، يتحركون على خط واحد، فيُظَنُّ أن كل واحد منهم إلى صاحبه قاصد".
في العصر الحديث دار الكثير من الجدل والنقاش حول بعض الحوادث التي ارتبطت بالتماثيل والمنحوتات، على سبيل المثال قامت حركة طالبان في سنة 2001م بتفجير تمثالين ضخمين لبوذا في منطقة باميان الجبلية في أفغانستان.
وبعد عودتها إلى السلطة في 2012، كررت طالبان استهدافها للتماثيل عندما نسفت تمثالاً لعبد العلي مزاري زعيم الهزارة الشيعي.
محاولات تدمير التماثيل لأسباب دينية لم تقتصر على طالبان وحدها، في 2015، اجتاحت عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مدينة تدمر السورية الأثرية. وقامت بعدها بتدمير تمثال أسد اللات "وهو قطعة فريدة بارتفاع أكثر من ثلاثة أمتار وتزن 15 طناً، ومصنوع من الحجر الكلسي الطري".
وفي الجزائر أيضاً تعرض تمثال "المرأة العارية" الشهير بنافورة "عين الفوارة" بوسط مدينة سطيف، للتخريب لعدد من المرات، وقامت برلمانية عن حزب إسلامي بتوجيه سؤال شفهي إلى وزير الثقافة عز الدين ميهوبي في سنة 2021، مطالبة إياه بوضع التمثال في المتحف لأنه خادش للحياء، وهو الطلب الذي رد عليه الوزير بالرفض، مؤكداً أن الذين يقولون هذا الكلام هم الذين يجب أن يوضعوا في المتحف.
في مكان آخر، وقعت بعض المحاولات الفردية لتحطيم التماثيل ومنها ما تم في يونيو سنة 2014، عندما قام طالب سعودي في مرحلة الدراسات العليا بتحطيم أربعة تماثيل بوذية في أحد المعابد بالعاصمة اليابانية طوكيو.
التماثيل.. جدل السياسة والتاريخ
ارتبط الجدل المصاحب لإقامة التماثيل بالأوضاع السياسية والتاريخية والمذهبية في الكثير من الأحيان، فعلى سبيل المثال تسبب وضع الحكومة الأمريكية، في العام 1901، تمثال للنبي محمد بوزن 1000 رطل، فوق المحكمة الدستورية العليا، في إثارة غضب الكثير من المسلمين.
وبعد 54 عاماً على إنشاء التمثال، قامت الولايات المتحدة الأميركية بإزالته بناء على طلب من الملك السعودي سعود بن عبد العزيز.
في سياق أخر، تسبب أحد التماثيل في اندلاع نقاش تاريخي محتدم في سنة 2021، عندما قررت ولاية تيزي وزو الجزائرية، إقامة نصب للملك شيشناق بطول 4.4 متر، لتنطلق عاصفة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب التنازع حول أصول الملك بين كل من مصر وليبيا والجزائر.
في يونيو سنة 2021، شهد العراق بدوره جدلاً مذهبياً واسعاً على خلفية نُصب رأس تمثال للخليفة العباسي أبي جعفر المنصور في منطقة المنصور المجاورة لحي الكرخ العريق، وهو أحد الأحياء التاريخية في العاصمة بغداد.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها