في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، انتخب البرلمان اللبناني ميشال عون رئيسًا للجمهورية، بعد أكثر من عامين من الفراغ الرئاسي بسبب الخلافات السياسية على شخصية توافقية.
وبحسب الدستور اللبناني، تدوم فترة ولاية رئيس الجمهورية 6 سنوات غير قابلة للتجديد، لذا تنتهي ولاية عون الرئاسية في 31 تشرين الأول الحالي، وسط إخفاق البرلمان عدة مرات بانتخاب خلف له، ومخاوف من دخول البلاد في فراغ رئاسي من جديد.
لم يكن عهد عون هادئًا نسبيًا، حيث حصلت خلاله العديد من المشاكل الأمنية، السياسية، والاقتصادية، ووقعت البلاد بأكبر أزمة اقتصادية عبر تاريخها، لم تعرف مثلها حتى خلال سنوات الحرب الأهلية ( 1975- 1990).
فمنذ نحو 3 سنوات، يعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة، أدّت إلى انهيار قياسيّ في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلًا عن شحّ في الوقود والأدوية، وانقطاع الكهرباء بشكل شبه تام في الآونة الأخيرة.
** إنجازات العهد
- ديسمبر/كانون الأول 2017، وافق لبنان على عرض لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز في بحره، مقدم من اتحاد شركات يضم "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتك" الروسية (انسحبت لاحقًا)، وذلك في أول جولة من تراخيص التنقيب في البلاد.
- أبريل/نيسان 2017، أقرّ لبنان الموازنة العامة، بعد فشله في ذلك منذ العام 2005 بسبب الخلافات بين القوى السياسية التي تتقاسم السلطة.
- أغسطس/آب 2017، أعلن لبنان تحرير مناطق لبنانية حدودية من سيطرة المنظمات الإرهابية، "داعش" و"جبهة النصرة" وقتها، عبر معركة أطلق عليها اسم "فجر الجرود".
- يونيو/حزيران 2017، إقرار قانون انتخابي جديد قائم على النسبية، قسّم البلاد إلى 15 دائرة كبرى، وربط فوز المرشح بفوز لائحته الانتخابية، حيث لم يعد ممكنًا الترشح بشكل فردي.
- مايو/أيار 2018، أجريت الانتخابات النيابية وفق القانون الانتخابي الجديد، وذلك بعد تأجيلها لمرتين منذ العام 2013 بسبب الفشل في إقرار قانون انتخابي.
- يناير/كانون الثاني 2019، استضافت بيروت القمة العربية التنموية الاقتصادية الاجتماعية، حضرها زعيمان عربيان فقط إلى جانب عون، وهما الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، واكتفت الدول الأخرى بإرسال مسؤولين حكوميين ووفود لتمثيلها.
-أكتوبر/تشرين الأول 2020، انطلقت مفاوضات غير مباشرة برعاية الأمم المتحدة، وبوساطة أمريكية، ضمن اتفاق إطار بين لبنان وإسرائيل، لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين الجانبين، حيث عقدت 5 جولات محادثات، وتوقفت بعدها.
- سبتمبر/أيلول 2021، اتفق وزراء الطاقة والنفط في لبنان والأردن ومصر والنظام السوري، على "خارطة طريق" لإمداد لبنان بالكهرباء والغاز، لحلّ أزمة الطاقة، إلا أن البلاد لا تزال لليوم تعاني من انقطاع كبير بالكهرباء.
- أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلن عون، موافقة بلاده على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بعد مباحثات مع الوسيط الأمريكي، واستعاد لبنان من خلالها مساحة 860 كيلومترًا مربعًا من حدوده البحرية "ولم يتنازل لبنان عن أي كيلومتر واحد لإسرائيل، كما استحصل على كامل حقل قانا"، وفق عون.
** 2017.. أزمة استقالة الحريري
في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعلن سعد الحريري استقالته من منصب رئاسة الوزراء، أثناء زيارة كان يجريها للسعودية، وقال في خطاب متلفز إنه يعتقد بوجود "مخطط لاغتياله"، كما أرجع قراره إلى "مساعي إيران لخطف لبنان وفرض الوصاية عليه بعد تمكن حزب الله من فرض أمرٍ واقع بقوة سلاحه".
وفي 5 نوفمبر، علق الأمين العام لجماعة "حزب الله" حسن نصر الله في كلمة متلفزة، بأنه "ليس هناك سبب داخلي لبناني للاستقالة"، معتبرًا إياها "قرارًا سعوديًا أُملي على الحريري".
وفي 11 نوفمبر، دعا عون السعودية إلى "توضيح الأسباب التي تحول دون عودة الحريري إلى بيروت"، وأضاف في بيان صادر عن الرئاسة، أن "لبنان لا يقبل بأن يكون رئيس وزرائه في وضع يتناقض مع الاتفاقات الدولية".
وفي 17 نوفمبر، زار الحريري فرنسا واستقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بصفته "ريس وزراء لبنان"، قبل أن يعود إلى السعودية لعدة أيام "للتشاور" وفق تصريح له.
وفي 21 نوفمبر، عاد الحريري إلى لبنان، وبعد لقاءات مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، عاد لاستلام منصبه، واعتبرت استقالته لاغية، خاصةً أن عون لم يصادق عليها لاعتبارات أنها جاءت "تحت ضغوط".
وفي 27 من الشهر نفسه، قال الحريري في مقابلة مع تلفزيون "Cnews" الفرنسي: "أودّ أن أبقى رئيسًا للوزراء، وما حصل في السعودية سأحتفظ به لنفسي".
وسرت في لبنان شائعات أن الحريري "تعرض لضغوط سعودية لتقديم استقالته، وأنه أحد "المعتقلين" ضمن حملة توقيفات في السعودية شملت أمراء من العائلة المالكة.
**ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019
أبرز ما واجه عون في عهده الرئاسي هو الثورة الشعبية التي اشتعلت في 17 أكتوبر/ تشرين أول عام 2019، إذ امتلأت الشوارع بالمحتجين من شمال البلاد إلى جنوبها، حتى البقاع شرقًا.
واستمرّت الاحتجاجات الشعبيّة لأشهر متواصلة، طالب المحتجون خلالها بانتخابات نيابية مبكرة، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين، ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطبقة الحاكمة، التي يتهمونها بالفساد والافتقار للكفاءة.
** علاقات مع دول الخليج
لم تكن علاقات لبنان مع عدد من الدول الخليجية مستقرة طوال فترة تولّي عون للرئاسة اللبنانية.
ففي أبريل/نيسان 2021، قررت السعودية حظر دخول الخضراوات والفواكه اللبنانية إلى المملكة أو المرور عبر أراضيها لدولة ثالثة، بدعوى استغلالها في تهريب المخدرات.
ويقف تهريب المخدرات من لبنان إلى بعض دول الخليج، وراء توتر العلاقة بين بيروت وعواصم خليجية عدة خصوصًا الرياض.
أما أبرز تطوّر حصل في علاقات البلدين، هو الأزمة الدبلوماسية التي وقعت في العام 2021 بسبب تصريحات لأحد الوزراء اللبنانيين ضد الحرب في اليمن.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2021، انتشرت مقابلة متلفزة لوزير الإعلام السابق جورج قرداحي، قال فيها إن الحوثيين في اليمن "يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والإمارات"، ما أدّى لتوتر العلاقات بين لبنان ودول خليجية أبرزها السعودية.
وبناء على ذلك، سحبت الرياض سفيرها لدى بيروت وطلبت من السفير اللبناني لديها المغادرة، ولاحقًا حذت الإمارات والبحرين والكويت واليمن حذوها، ما دفع بالقرداحي إلى تقديم استقالة لاحقًا في محاولة لتخفيف الأزمة.
وبعد نحو 3 أشهر، زار وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح لبنان، وقدم "مبادرة" لإعادة بناء الثقة بين لبنان ودول الخليج.
ومن بين ما تضمنته "المبادرة الكويتية"، التشدد في منع تهريب المخدرات من لبنان إلى دول الخليج من خلال الصادرات، وتفعيل التعاون الأمني بين الأجهزة اللبنانية والخليجية.
** تدهور العملة اللبنانية
عاشت الليرة اللبنانية ولا تزال، حالة من الانهيار غير المسبوق في تاريخ البلاد.
ويوجد اليوم أكثر من 3 أسعار للصرف في لبنان مقابل الدولار، وهي: سعر مصرف لبنان الرسمي المقدّر بـ1507 ليرة للدولار، وسعر البنوك اللبنانية المحدد بـ 8000 ليرة للدولار، ونحو 38000 ليرة للدولار في السوق السوداء (يتغير بشكل يومي حيث سجل أعلى سعر قياسي له قبل أيام بتخطيه حاجز الـ40 الف ليرة للدولار).
وزاد انهيار العملة، من تفاقم معدلات التضخم ومعاناة المواطن في لبنان، حيث تراجعت القدرة الشرائية بشكل كبير، وأقفلت العديد من المؤسسات والمحال التجارية لعدم قدرتها على الصمود خلال الأزمة الاقتصادية.
كما ارتفع معدل الفقر في لبنان، فأعلنت الأمم المتحدة، أن 74 بالمئة من سكان لبنان يعانون الفقر في 2021، بعد أن سجل 55 بالمئة من السكان في العام 2020، و28 بالمئة في 2019.
** انفجار مرفأ بيروت
خلال عهد الرئيس اللبناني الحالي، وقع أحد أكبر الانفجارات في العالم، في العاصمة اللبنانية بيروت.
ففي 4 أغسطس/آب 2020، وقع انفجار ضخم في مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 6 آلاف آخرين بجروح، فضلا عن دمار مادي هائل في الأبنية السكنية والمؤسسات التجارية.
وبحسب تقديرات رسمية، فإن الانفجار وقع في العنبر رقم 12، الذي كان يحوي نحو 2750 طنًا من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، كانت مصادرة من إحدى السفن، ومخزنة منذ 2014.
وإلى اليوم، لم يصل التحقيق في القضية إلى أي نتيجة، بسبب طلبات الردّ التي يقدمها المتهمون (نواب ووزراء سابقون) بحق المحقق العدلي طارق البيطار، ما أدى لتوقف التحقيق منذ أشهر.
** 4 حكومات واعتذاران عن التشكيل
ذكرت شركة "الدولية للمعلومات" (خاصة)، أن عهد عون شهد تشكيل 4 حكومات وحالتي اعتذار عن التشكيل.
والحكومات الأربع التي شُكلت كانت اثنتان برئاسة الرئيس سعد الحريري، ثالثة برئاسة حسان دياب، رابعة برئاسة نجيب ميقاتي.
وبينها تكليفان لسفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب والحريري، قبل اعتذارهما بسبب تعذر التكليف وسط خلافات سياسية.
وفي الصيف الماضي، تم تكليف ميقاتي من جديد تشكيل الحكومة، إلا أن الخلافات السياسية تقف عقبة أمام تشكيل الحكومة قبل انتهاء ولاية عون الرئاسية.
إذن، مرّ عهد ميشال عون بالعديد من الأزمات، لتبقى الأزمة الاقتصادية هي الأكبر والأكثر تأثيرًا على الشعب اللبناني، دون وجود أي أمل قريب بالحلّ.