اتفاق الغاز اللبناني يوقف تدهور هيبة أمريكا في الشرق الأوسط
القدس العربي
Thursday, April 21, 2022
نجحت الولايات المتحدة، بتدخل غير مباشر من الرئيس جوزيف بايدن، في إقناع الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية بقبول اتفاق لترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، بعد إجراء بعض التعديلات عليه. وأعلن كل من الطرفين، أن الصيغة الأخيرة «تلبي جميع المطالب». الاتفاق، في حال إتمام توقيعه والتصديق عليه، يمثل انتصارا للأطراف الثلاثة، لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة، ونقطة تحول مهمة في عملية إدارة النزاعات الإقليمية بواسطة واشنطن على أساس مبدأ «ربح مقابل ربح win- win».

النهاية السعيدة لمفاوضات الغاز تضع حدا لتدهور هيبة الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط، بعد أن فشلت في موقعتين كبيرتين منذ بداية الشهر الحالي. الأولى كانت الفشل في إقناع المملكة السعودية بزيادة إنتاج النفط لتعويض نقص الإمدادات الناتج عن العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا. وعلى العكس من ذاك قررت مجموعة (أوبك +) التي تضم بينها السعودية وروسيا، تخفيض الإنتاج اعتبارا من بداية الشهر المقبل، ما أثار ردود فعل غاضبة، عبر فيها الرئيس الأمريكي عن خيبة أمله في الموقف السعودي. الموقعة الثانية كانت الفشل في تمديد الهدنة بين الحوثيين وحكومة «الشرعية» اليمنية، على الرغم من تدخل وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن والمبعوث الدولي هانس غروندبرغ. الكرة عادت إلى الملعب السعودي – اليمني، وأصبح على وزير الدفاع السعودي الجديد الأمير خالد بن سلمان، أن يجد مخرجا لتجنب انفجار القتال مرة أخرى على حدود بلاده. ومن ثم فإن نجاح اتفاق الغاز يمثل نقطة تحول مهمة، وارتفاعا في حظوظ الدبلوماسية الأمريكية في وقت هي في أشد الحاجة إليه.

حقل قانا وخط الحدود العائم

ستكون هذه هي المرة الأولى التي يوقع فيها لبنان مع إسرائيل اتفاقا له طابع دولي، يتم تسجيله والوثائق الملحقة به لدى الأمم المتحدة. وطبقا لما هو متداول حتى الآن فإن لبنان يريد أن يتم توقيع الاتفاق في رأس الناقورة، بمشاركة قوات المراقبة التابعة للأمم المتحدة. وسوف تتوقف الترتيبات النهائية على المشاورات التي ما تزال جارية بين حكومات الدول المعنية. النائب إلياس بوصعب نائب رئيس مجلس النواب اللبناني، وممثل بلاده في المفاوضات غير المباشرة بشأن الاتفاق، أعلن أن المسودة الأخيرة «تلبي كل مطالب لبنان»، وأن مسألة توقيع الاتفاق تتوقف على الطرف الآخر، وكذلك فعل المتحدث باسم الطرف الآخر إيال حولاتا مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الذي وصف الاتفاق بعبارات متطابقة تماما مع ما ذكره بوصعب، خصوصا أنه «يلبي جميع مطالبه بلاده». لا خلاف إذن الآن، فهيا إلى التوقيع!

ومع علو صوت الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية بشأن الموافقة على الاتفاق، فقد غاب صوت «حزب الله» في التعليق على النسخة الأخيرة. وكان الحزب يتبنى سياسة « الغموض» في ما يتعلق بتطور المفاوضات، منذ أبدت الحكومة اللبنانية ملاحظات على مسودة الاتفاق الأولى، التي قدمها المبعوث الأمريكي عاموس هوكستين، وذلك على الرغم من أن السيد نصر الله، صرح من قبل بأن الاتفاق «خطوة مهمة» ويمثل تطورا واعدا لمصلحة لبنان. ومع ذلك فإن أجهزة الإعلام القريبة من الحزب، صحيفة «الأخبار» وقناة «الميادين»، تبنت في الأيام الأخيرة خطا متشددا، أكدتا فيه على رفض تقنين خط الحدود البحري العائم، الذي وضعته إسرائيل بعد انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، ورفضتا أن يدفع لبنان لإسرائيل أي مقابل نظير استغلال حقل قانا بأكمله. السؤال المهم في الوقت الحاضر يتعلق بالوضع القانوني لخط التقسيم العائم، وهل سيعترف به لبنان أم لا. في حال الاعتراف به، فإن هذا يعني إنهاء النزاع في المنطقة بين خطي 23 و29، مع وجود ترتيبات خاصة بالنسبة لامتداد حقل قانا جنوب خط 23 لعدة كيلومترات، وحيث أنه لم يتم، حتى وقت كتابة هذه السطور، نشر النص الرسمي لوثيقة الاتفاق، فيجب التعامل بحذر شديد مع ما يتم تداوله من أنباء بشأن التسوية المتعلقة بترتيبات التنقيب عن الغاز في حقل «قانا» اللبناني. ومن المرجح أن إسرائيل قبلت أخيرا بصيغة تختلف عما كان قد جاء في المسودة السابقة للاتفاق. فبعد أن كان يائير لبيد يتحدث عن «رسوم – royalties» سيدفعها لبنان مقابل السماح له بالتنقيب داخل امتداد حقل قانا جنوب الخط 23، فإن إيال حولاتا مستشار الأمن القومي يتحدث الآن عن «تعويضات compensation» وهو مصطلح فضفاض ذو طابع مالي فقط، يختلف عن مصطلح «رسوم حقوق الملكية – royalties « الذي ورد في تصريحات لبيد. هذا يعني أن إسرائيل ربما قبلت بصيغة فضفاضة، بشأن ما كانت تدعيه في حقل قانا. كذلك يتردد الحديث في بيروت عن أن الولايات المتحدة قدمت ضمانات كاملة إلى شركة «توتال» الفرنسية للطاقة، بشأن حقوق التنقيب عن النفط والغاز في امتداد حقل قانا داخل المياه الإسرائيلية، بما يضمن عدم وجود تداخل بين مصالح كل من إسرائيل ولبنان.

ويقدر ليور شاليط مدير عام وزارة الطاقة الإسرائيلية، بعد محادثات أجراها في باريس مع قيادات شركة توتال الفرنسية، أن الاحتياطي التجاري للغاز في حقل قانا أقل بكثير مما كان يعتقد سابقا، وأن أرباح إسرائيل من الحقل كله لن تتجاوز 3 مليارات دولار، وذلك حسب موقع «واللا» الإسرائيلي للأخبار، بل إن الحقل قد يكون خاليا من الغاز القابل للاستغلال التجاري، على عكس مما كان يعتقد من أن الحقل يمكن أن يدر 20 مليار دولار. هذه التقديرات وغيرها تظل ضعيفة المصداقية، طالما أن توتال لم تبدأ فعلا عمليات البحث والتنقيب، لتقدير الاحتياطي التجاري الفعلي للحقل. لبنان في أزمته الاقتصادية الحالية يتعلق بأي قشة أمل تأخذ بيديه إلى النجاة من حالة الإفلاس التي يعاني منها، ويرى كثيرون هناك، داخل الحكومة وخارجها، أن غاز حقل قانا وتحرير قدرة لبنان على التنقيب عن الغاز والنفط في منطقته الاقتصادية، هو طوق النجاة الأقرب، وأنه لن يمكن الوصول إليه بغير اتفاق مع إسرائيل.

الاتفاق تصويت لصالح لبيد

منذ إعلان قرب التوصل إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود الاقتصادية البحرية في شمال إسرائيل، تحول الاتفاق إلى واحد من أهم محاور الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء الحالي يائير لبيد، والحملة المضادة له بقيادة بنيامين نتنياهو. وقال الأخير إن الاتفاق ينطوي على تفريط في حقوق السيادة الإسرائيلية، ويمثل استسلاما لمطالب «حزب الله» اللبناني. لكن لبيد يرد بأنه حقق بهذا الاتفاق ما عجز نتنياهو عن تحقيقه في السنوات العشر الأخيرة. وقال إن الاتفاق ينص لأول مرة على ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان، وهو ما يسهم في تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي، وتثبيت الاستقرار على الحدود الشمالية، وتقليل نفوذ إيران في لبنان، وفتح الباب أمام إسرائيل لاستغلال موارد النفط والغاز المتوفرة في منطقتها الاقتصادية المجاورة للبنان، بصورة خالية من التهديد.

وفي تقديري أن لبيد أجرى مقايضة لصالح لبنان في الجانب الاقتصادي المتعلق باستغلال حقل قانا، مقابل أن تحقق إسرائيل مكسبا أمنيا استراتيجيا، يتمثل في إقامة خط حدودي معترف به بين الدولتين، يضمن استقرار الحدود الشمالية، وتعزيز الصيغة الحالية في إدارة الحدود البرية، من خلال قنوات خلفية، بالتعاون مع «حزب الله». مع تحقيق مكسب اقتصادي باستغلال حقل «كاريش» والحقول المجاورة من دون تهديد. هذه المكاسب أكثر قيمة لإسرائيل عما تدعيه من حقوق في حقل قانا، ولا شك في أن مقاربة لبيد صحيحة على الصعيد الاستراتيجي، وتتفوق على النظرة المتشددة ضيقة الأفق التي يتبناها نتنياهو، ولكن حتى في حال حدوث مفاجآت انتخابية في الانتخابات التي ستجري أول الشهر المقبل، فإن وقوف واشنطن بقوة وراء الاتفاق، يمنع أي حكومة إسرائيلية مقبلة من محاولة فتح الملف من جديد لتعديل شروطه. الموقف الرسمي الأمريكي أكد عليه السفير الحالي توماس نايدز، الذي دخل على الخط بعد أن صرح السفير السابق ديفيد فريدمان بأن الإتفاق يصب في مصلحة لبنان بنسبة مئة في المئة. وأكد نايدز أن الاتفاق يمنح مكاسب متوازنة لكل من الطرفين. الاتفاق يفتح آفاقا أكبر أمام شركة «إنرجيان» اليونانية العاملة في حقل «كاريش» لتطوير أعمالها في منطقة الامتياز. وقد أعلنت الشركة البدء في اختبار خط أنابيب نقل الغاز من الحقل، كما أعلنت اكتشاف حقل جديد، أطلقت عليه «هيرمس»، إلى الجنوب الشرقي من «كاريش»، يحتوي على مخزون قابل للاستغلال التجاري يتراوح بين 7 إلى 15 مليار متر مكعب من الغاز.

Copyright © 2022 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top