التيار العوني و حزب الله .. هل تفرّق الرئاسة ما جمعه التفاهم؟
تيما رضا - قناة الشرق
Thursday, April 21, 2022
تمايز "تكتل لبنان القوي" الذي يرأسه النائب جبران باسيل، للمرة الثانية عن حليفه "حزب الله"، في الجلسة المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، بحيث لجأ الى ارسال الرسائل السياسية في صندوق الاقتراع.
أصوات التيار الوطني الحر انتخبت "الميثاق الوطني" في اشارة واضحة الى استمرار الامتعاض من تغطية "حزب الله" لجلسة الحكومة التي رأسها ميقاتي وأدت إلى تأجج الخلاف بين الحليفين، إلى حد الكلام عن إمكانية فرط التفاهم بين الجانبين الذي يبلغ عامه الـ17 في فبراير المقبل، والذي يطلق عليه اسم "تحالف مار مخايل".
وإن كانت نبرة النائب جبران باسيل خفتت تجاه "حزب الله" بعد ان بلغت من التصعيد الخطابي مستوى غير مسبوق، ما وضع التساؤل حول مصير الحلف الممتد على مدى ستة عشر عاماً على الطاولة، وخصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها العلاقة بين الحليفين الى هزات كلامية، إلا أنها غالباً ما كانت تُصنف بأنها تمايز مرحلي بالمواقف بهدف استقطاب الجماهير، والحفاظ على الشعبية خصوصاً في صفوف المسيحيين حيث تشتد المنافسة السياسية بين الأقطاب.
حليف "حامٍ للفساد"
"قد تبدو النبرة أخف لأن واقع المقابلات التلفزيونية مغاير عن المؤتمرات الصحافية، إلاّ أن المضمون لا يزال واحداً وبالحدة الحدّة ذاتها"، يقول النائب عن "التيار الوطني الحر" (الذي يرأسه باسيل) جورج عطا الله تعليقاً على المقابلة الاخيرة التي ظهر فيها رئيس "التيار" جبران باسيل، مغازلاً الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله.
ويضيف: "ارتكب حزب الله خطأ كبيراً عندما أعاد تسمية نجيب ميقاتي رئيساً مكلفاً للحكومة، وعندما انكشفت خطته بأنه لن يشكل حكومة جديدة"، لافتاً إلى أن "الاتفاق كان واضحاً بأن الحكومة أساساً لا يحق لها الاجتماع، ولا يجب التذاكي بمخارج دستورية غب الطلب، فجرى التعهد من قبل اطراف الحكومة جميعاً بأنها لا تستطيع الاجتماع.. إلاّ أن حزب الله لم يلتزم بهذا الاتفاق ومن هنا كان الاعتراض الحاد".
ورغم أن "التيار الحر" ذهب بعيداً في حملته على الثنائي الشيعي، لدرجة أن صُنِّف الهجوم العوني ضد "حزب الله"بأنه "من العيار الثقيل"، وصولاً إلى اتهام (الحزب) بأنه لم يقف إلى جانبه (التيار) في حملاته في مكافحة الفساد، إلا أن الهجوم امتد ليشمل مرشح "حزب الله" غير المعلن رسمياً لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية، وصولاً إلى تمرير رسالة لحليفه أن "التيار" هو الممر الإلزامي لانتخاب رئيس للجمهورية، إلاّ أن نواب حزب الله ومسؤوليه ظلوا ملتزمين عدم التعليق على الخلاف.
وعمّا إذا كان يعتبر ان هذا الخلاف ممكن أن يتطور ليصبح فضّ تحالف يقول عطا الله: "بالنسبة لنا العلاقة مع الحزب هي علاقة استراتيجية، إلا أننا لم نتوافق معه على مستوى إعادة بناء الدولة ومؤسساتها ومكافحة الفساد، فقد فضل حزب الله في مكان ما الحفاظ على ما يسمى وحدة الصف الشيعي على حساب خيار بناء الدولة" (في إشارة إلى حلف حزب الله مع رئيس مجلس النواب نبيه بري).
وعن أن شبهة الفساد تطاول أيضاً وزراء وشخصيات من "التيار" يقول عطا الله: "نحن مستعدون للذهاب الى القضاء، بالنسبة إلينا المرجع الاساسي بالنسبة لنا هو القضاء، وكنّا أول المبادرين للتوقيع على لجان تحقيق في المجلس النيابي في ما يتعلق بأداء وزارة الطاقة".
في المقابل، ترى مصادر لبنانية متابعة للملف، ومقربة من "حزب الله" أن "الحزب متمسك بهذا الحلف لانه يرى أن الخلاف هو على تفاصيل يمكن تخطيها طالما أن الاتفاق مبني على أمور استراتيجية كبرى لا خلاف عليها". وترى المصادر أن "اتهام الحزب بحماية الفساد، هو نتيجة حملات سياسية غير دقيقة، وأن مشكلة الفساد في لبنان مشكلة بنيوية ومشكلة نظام، وليس حزب الله مَن أوجدها".
الكاتب والمحلل السياسي ابراهيم بيرم يرى أن هناك مسعى للتهدئة، إذ توقفت الحملات المتبادلة وحتى على وسائل التواصل الاجتماعي هدأت نسبياً". ويقول: "في إطلالة باسيل الأخيرة، كان الرجل واضحاً بقوله أنه لم يسعَ إلى الطلاق، لأن أي طلاق سياسي غير مفيد للطرفين". ويضيف "حزب الله سيحافظ بجفون العين على هذا التفاهم، من منطلق أن أي خرق أو تهديم لهذا المكون السياسي (التيار ) يصب في مصلحة القوات اللبنانية، وبهذه المرحلة العدو الأساسي له وللتيار هو القوات اللبنانية. بالتالي، هم مستعدون الانفتاح على كل القوى السياسية في البلد ما عدا القوات. الأمر الثاني أن الحزب من البداية يفي بمسألة علاقته بأي قوى سارت معه، بالتالي لا يريد وسم نفسه بنكث الوعد".
حلف أم علاقة ابتزاز؟
يعتبر المعارضون لخط " لتيار الوطني الحر"-"حزب الله"، أن العلاقة بين الحليفين محكومة بمصالح متبادلة، وأن "حزب الله" التزم حماية عهد ميشال عون بعد أن أمّن انتخابه رئيساً للجمهورية. وفي المقابل التزم عون وصهره حماية سلاح المقاومة في الداخل والخارج، حماية لمّح قياديون في "حزب الله" أخيراً بأنها لم تعد مطلوبة وهو ما تجلى من خلال استخدامهم عبارات: "المقاومة تحمي المقاومة" و"المقاومة ليست بحاجة الى حماية"، من دون تصويب السهام المباشرة على جبران باسيل، الا أنها تحمل في طياتها إشارات إلى أن التلويح بموضوع السلاح بشكل متكرر لن يفيد.
هل يصل الأمر بحزب الله إلى فضّ التفاهم في حال استمرار الابتزاز السياسي؟ في هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير إن "حزب الله مرتاح، ولا يريد التصعيد أو إنهاء التفاهم مع التيار، بل يريد الحفاظ على نقاط القوة كافة". ويضيف: "أظن أن الأمور ستعود للحوار، ولكن على قاعدة معرفة ماذا يريد جبران (باسيل) وما هي خياراته المستقبلية سواء على صعيد إدارة البلد أو المعركة الرئاسية".
النائب في "تكتل لبنان القوي" (كتلة التيار العوني النيابية وابن شقيق الرئيس السباق ميشال عون) آلان عون، يرى أن "العلاقة بين التيار (الوطني الحر) والحزب (حزب الله) تمرّ اليوم بإمتحان مفصلي ولكن لا يمكن وصفها طبعاً بالموت السريري. فرغم أنها تواجه إختلافات جوهرية تجاه استحقاقات مهمّة وأساسية، إلا أنها ما زالت قابلة للترميم والتصويب".
وهل يعود السبب الى اختلاف حول الأجندة التي رسمها "حزب الله"؟ يقول عون: "كل من اختصر العلاقة بمعادلة سلطة مقابل سلاح، أو عاشها على هذا الأساس، من الجهتين، حزب الله والتيار، لا يجوز أن يتفاجأ بما آلت إليه الأمور. بينما اللذين قاربوا العلاقة بشمولية أكبر وبمصلحة عامة وليس خاصة، فهم ما إنبروا ينبّهون أن العلاقة بحاجة لمراجعة ويجب أن تأخذ بالاعتبار الكثير من التغييرات التي طرأت داخلياً وخارجياً منذ التفاهم سنة 2006، كما أن الأهمّ هو أخذ العبر من تجربة السلطة واإخفاقات التي مرّت بها".
وتعليقاً على التلويح بسحب الغطاء المسيحي لسلاح المقاومة من قبل "التيار الوطني الحر"، يقول عون إن "التفاهمات الداخلية وتجنّب الاقتتال لا يهدفان حصراً الى غطاء من هنا وسلطة من هناك، ولو يجري قراءتهما على هذا المنوال. أما في ما خصّ المسيحيين، فهم في هذه اللحظة كسائر اللبنانيين، غير معنيين كثيراً بعصبيات طائفية بقدر ما يطمحون الى حلول لمحنتهم المعيشة والاجتماعية ومأساتهم المالية والاقتصادية".
خلاف على اسم الرئيس؟
رد واحد صدر عن العلاقات الاعلامية في "حزب الله" منذ اطلاق باسيل صافرة بدايته في مؤتمر صحافي، خفّض فيها "الحزب" رتبة "التيار" من "الحليف" إلى "الصديق"، وتلا هذا التخفيض تعبير رئيس "التيار الحر" جبران باسيل عن "مكانة" الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الخاصة عنده. وإن لم يقضِ الخلاف على العلاقة بين الحليفين، إلاّ أن مراقبين يرون أنه لن يقويها أيضاً، وأنه التعاطي بينهما بشأن عدد من الأمور سيختلف، وسيصار إلى محاولة تذليل النقاط بين الطرفين إلا أنها ليست مسألة سهلة. خصوصاً وأن باسيل يعتبر معركة الرئاسة معركة وجودية بالنسبة له.
ويقول الكاتب ابراهيم بيرم إن "الفجوة أكبر والخلاف أعمق نسبياً من أي مرة ماضية". ويضيف: "صحيح أن هذا التفاهم الذي حصل منذ 16 سنة، مر بتجارب وتحديات كبيرة ولكن هذه المرة يبدو الخلاف أعمق من المرات السابقة لاعتبارين، مسألة الرئاسة، والصراع على من يرث قصر بعبدا. ومن الواضح هنا أن هناك تبايناً مطلقاً بين الطرفين في المسألة الرئاسية، فالحزب لا يرى إلا سليمان فرنجية رئيساً، والآخرون رافضين بالمطلق".
ويضيف بيرم أن "الحزب لن يتنازل عن مسألة الرئاسة، فعلى الأقل ليس لديه خيار الآن ولا غداً ولا بالأمس إلا (سليمان) فرنجية. وبالتالي هو لن يتنازل عن هذه الموضوع بانتظار نضوج تفاهم مع الخارج، مع الأميركيين أو مع السعودية".
وعمّا اذا كان يعتبر أن الحزب مستعد للبحث باسم توافقي، يستبعد بيرم هذا الأمر ويقول: "حاول باسيل طرح اسم من جهته فردّ (رئيس المجلس النيابي نبيه) بري بعد رفض الاسم قائلاً: اذهب إلى السيد، ملقياً إياه في مرمى حزب الله الذي رفضها بدوره". وكشف أن نصر الله "قال لباسيل: نحن ليس لدينا الا اسمين فرنجية وقائد الجيش (جوزيف عون) فرد باسيل بالرفض التام لقائد الجيش".
وهل تقف العلاقة اليوم بين الحزب والتيار على اسم المرشح فقط؟ وفي حال لم يرضي المرشح جبران باسيل هل يفرط التحالف مع حزب الله؟ هنا، يرى النائب آلان عون أنه "إذا بقيت المقاربة محصورة بالبعد الشخصي، فهي محكومة بالفشل خاصة أن العلاقات السياسة والشخصية ليست على ما يرام". ويشير إلى أن "المقاربة الرئاسية يجب أن تحمل إجابات بشأن الكثير من الهواجس التي يحملها اللبنانيون حول مستقبلهم ومستقبل بلدهم، وحينها فقط يصبح موضوع الأسماء أسهل للمعالجة".
هل من اسم يمكن أن يطرحه قريباً "التيار" كمرشح للرئاسة؟ يجيب عون أن "طرح الاسم هو قرار جماعي للتكتل". ويكشف أنه "حصل نقاش فيه إنما لم يحسم حتى هذه الساعة لأننا لم نرَ استعداداً جدّياً لدى الكتل الأخرى للبحث في أسماء جديدة. وقد تجنّبنا حتى هذه اللحظة التصويت الشكلي أو الرمزي. فما نريده أن يكون الاسم نتيجة حدّ أدنى من التشاور مع الآخرين لكي يكون له فرصة جدّية في إحداث خرق".
ويقول عضو تكتل لبنان القوي جورج عطا الله أنه "رغم أن جبران باسيل الوحيد في لبنان الذي يتمتع بمواصفات أن يكون رئيساً للجمهورية، الا أنه بادر بالقول بأنه ليس مرشحاً". ويضيف: "لدينا اكثر من اسم، إلا أن الظرف لم ينضج بعد لطرح هذه الأسماء، ما قد يؤدي إلى حرقها".
"التيار" إلى حضن المعارضة؟
لطالما التزم "التيار العوني" بعلاقته مع "حزب الله"، ولم يهادن إلى حد معاداته قوى المعارضة المسيحية (القوات اللبنانية وحزب الكتائب) فقط، إنما امتد جفاؤه ليشمل الزعماء السنة من رؤوساء الحكومة سعد الحريري ونجيب ميقاتي في السياسة وصولاً إلى معاداته حليف حليفه الأول نبيه بري. ومع الاصطدام مع "حزب الله" ثمة سؤال عمّا إذا كان جبران باسيل سيمد يده إلى الأقطاب الأخرى ليقوي موقف أحدها بوجه حزب الله في رفض فرنجية رئيساً، وهو ما أوحى به "التيار" من خلال عدم اعتماده "الورقة البيضاء" في التصويت التي تعد بمثابة بصمة "حزب الله" في الانتخابات الرئاسية.
وعمّا إذا كان الخلاف سيخلق خريطة سياسية جديدة في البلد، يقول ابراهيم بيرم: "لا يوجد حلف دائم، ونحن نتكلم هنا عن تيارين متناقضين تماماً، واحد مسيحي والآخر شيعي ليس الغرابة اذا اختلفا، الغرابة إذا استمر الاتفاق".
هل يمكن أن يفتحالخلاف مع حزب الله باب حوار واتفاق بين التيار العوني و"القوات اللبنانية"، يقول نائب "التيار" آلان عون: "لا شيء مستحيلاً في السياسة وأي خلط للأوراق يعيد فتح كل الاحتمالات". ويضيف: "من الصعب جدّاً إعادة إحياء إتفاق معراب في ظل المعطيات الحالية، ولكن ليس مستحيلاً أن يعاد التواصل مع القوات عبر قنوات موثوقة. ذلك أن "التقاطع على موقف أو شخص واحد ليس مستحيلاً من دون أن يعني ذلك بالضرورة إعادة إحياء هذا الاتفاق".
وعن النقاط التي يرى أن هناك ضرورة لإعادة النظر فيها في "اتفاق مار مخايل"، يخلص عون إلى أن "هناك العديد من الأمور التي يجب مراجعتها ولكن كل ذلك يندرج من نقطة انطلاق واحدة: تغيير أسس المعادلة التي كانت قائمة على الشخصنة من جهة وعلى تفضيل الشكل (أي السلطة) على حساب المضمون (أي ممارسة هذه السلطة والإنجاز من خلالها)".
وفي حين تقلل مصادر مطلعة على الأجواء بين الجانبين من تداعيات الخلاف على الخارطة السياسية أو الوصول الى فض التفاهم بين "الحزب" و"التيار"، يقول النائب جورج عطا الله: "لا ننتظر تدهور العلاقة مع الحزب لفتح حوار مع أطراف أخرى، الحوار مطلوب مع الجميع".
ويضيف: "عند توقيع التفاهم مع حزب الله في 6 شباط 2006 كان الهدف الأساسي أن يلاقينا بقية الأطراف في هذا التفاهم، وأن نعمل جميعاً لحل النقاط الخلافية الموجودة، ونحسن ونطور".
ويختم عطالله قائلاً: "كل شيء في لبنان يتم تسييسه، حتى لقمة الخبز تسيس، وفي قادم الأيام سنرى أين ستصبح هذه التفاهمات".
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها