متحف الصابون في مدينة صيدا اللبنانية يروي حكاية حرفة تراثية عمرها 3 آلاف عام
القدس العربي
Thursday, April 21, 2022
في إحدى حارات مدينة صيدا اللبنانية القديمة التي تكتنز الكثير من الآثار والمعالم التاريخية والتراثية والحرفية، من بينها متحف الصابون، الذي يروي قصة تلك الحرفة التراثية التي تعود بدايتها في المدينة إلى القرن السابع عشر.
يقع «متحف الصابون» في السوق القديم في صيدا، حيث كان قديما مصنعا للصابون، ويعود بناؤه إلى السابع عَشر. وفي العام 1880 تم شِراءُه من قِبل عائلة عودة حيث أبقته معملاً للصابون ومتحفاً في آن معاً.
يتألف المتحَف من صالة لعَرض الصابون، وعلى طول المَسار في الداخل واجِهات تَعَرض فيها القوالِب وأدوات التَصنيع القديمة، كما تَعرُض تَشكيلَة مُتنوعة من الصابون.
والمتحف هو مصنع قديم تعود أحواضه إلى القرن السابع عشر، يمكن متابعة المراحل المختلفة لتصنيع الصابون الحرفي بواسطة زيت الزيتون، عبر الاستعانة بالأدوات والمعدات التقليدية، تعرض الواجهات أيضا أغراضا تقليدية مستخدمة في الحمام العربي، فضلا عن غلايين وآنية فخارية تم العثور عليها في المكان.
وتباع في صالة المتحف أيضا تشكيلة صغيرة من المنتجات الغذائية التي تتميز بها منطقة صيدا: ماء الزهر، ماء الورد، شراب بلدي (توت، ورد، مندرين، نعناع) فضلا عن العسل وراحة الحلقوم والمعمول.
وتشير الوثائق التاريخية في المكتبة العامة لبلدية صيدا أن ريمون عودة أقدم على ترميم منزل آل عودة الكائن فوق المتحف، وذلك وفقا للقواعد والمعايير الفنية الرفيعة في أواخر القرن العشرين، ويضم المنزل راهنا مؤسسة عودة ومتحف الصابون، ووضع المبنى في تصرف أبناء صيدا، لإحياء نشاطات ثقافية من حفلات موسيقية، وعروض أفلام، ومسرحيات، وفعاليات اجتماعية منها مؤتمرات، وجلسات حوار، وندوات، وورش عمل، ونواد للقراءة.
يتتبع المتحف تاريخ صناعة الصابون من حلب في سوريا إلى نابلس في الأراضي الفلسطينية، ويعرض مراحل تطورها المختلفة في المدن اللبنانية حيث تكثر أشجار الزيتون، مرورا بعصر الفينيقيين إلى عصر الدولة العثمانية، والدولة اللبنانية الحديثة.
ويؤكد أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية خالد الكردية، على أن المتحف المرمم حديثا، مبني من حجري صخري قديم، والحجر الرملي الأصفر، تم بناؤه في القرن السابع عشر، وبنت عائلة حمود المصبنة أي معمل الصابون اليوم. ولكن في القرن التاسع عشر تملكت أسرة عودة اللبنانية، المصبنة التي كانت معروفة في صيدا والجوار بصنع الصابون.
ويمكن لزائر المتحف مشاهدة عرض توضيحي لكيفية صناعة صابون زيت الزيتون التقليدي. كما يُقدم القسم التاريخي للمتحف القطع الأثرية التي عُثرّ عليها أثناء التنقيب في الموقع والتي تشمل بقايا رؤوس أنابيب فخارية يرجع تاريخها إلى ما بين القرن السابع عشر والتاسع عشر الميلادي وكذلك قطع من الفخار. والمتحف بُنيّ في القرن السابع عشر، على الرغم من احتوائه على أجزاء يعتقد أنها ترجع إلى القرن الثالث عشر، ورممته مؤسسة عودة قبل الافتتاح الرسمي للجمهور في تشرين الثاني/نوفمبر 2000.
كان مبنى المتحف في الأصل معملاً لصناعة الصابون مكونا من منزل قرميدي معقود من القناطر الحجرية، يمكن الدخول إليه عبر باب كهربائي يفضي إلى جسر خشبي يعطي بانوراما سريعة عما في الداخل. إذ تعكس الإضاءة الجيدة والجدران الأثرية العناصر الجمالية للمكان. وعلى يمين المدخل تنتشر المصابن (الأجران الحجرية المربعة الشكل). كما يحتوي المتحف عينات عُلقّت على الجدار في مستوعبات زجاجية بطريقة منظمة، تضم المواد الأساسية لصناعة الصابون مثل الزيت والقطرون والعطر وعشنان القلي والغار. بينما يقود الدرج الخشبي إلى الطابق السفلي حيث الأجران الحجرية التي توضع فيها الخلطة اللازمة ثم تُغلى في فرن حجري يعمل على الحطب. وقد كتب على الجدران تفصيل لكيفية اكتشاف الصابون، كما يعرض المتحف تاريخ صناعة الصابون ومراحل تطورها المختلفة من عصر الفينيقيين إلى عصر الدولة العثمانية. وقد اشترت عائلة عودة المبنى عام 1880 وأبقته معملاً للصابون لتلبية حاجات السكان الموجودين في لبنان والحمامات البعيدة،. واستمر المعمل في الإنتاج حتى توقف عام 1975 عندما اندلعت الحرب الأهلية. وفي 1996 جرى ترميم المبنى الذي تحول إلى متحف عام 2000.
يستعرض القيّمون على المتحف طقوس الحمّام وأدواته خصوصًا تلك التي لازمت الحمامات العامّة التي تحافظ صيدا على وجود عدد قليل منها في أحيائها القديمة، بالإضافة إلى أعداد تكاد للوهلة الأولى لا تحصى من قطع الصابون وبينها أشكال وألوان مختلفة وذات روائح فوّاحة.
في أقسام أخرى من المتحف، تمت المحافظة على ما اكتشف داخل المتحف-القبو أثناء عملهم على إظهار هندسته الفنّية القديمة والأثرية، وذلك من خلال إظهار الأماكن المحفورة وبعض ما وُجد فيها، فيما جمعوا بعض الأدوات القديمة المكتشفة في المكان عينه كالغلايين والزجاجيات والفخاريات.
السرد والتعريف
باللهجة الصيداوية المحبّبة، تخبر مديرة المتحف كارول عازار سيرة الصابون، وتقصّ على الزائرين حكايا صناعته، فتتضافر الألوان والروائح مع الأبجدية على السرد والتعريف.
وتروي عازار التي تتولى إدارة متحف الصابون منذ عام 2002م، لقد «اكتشفت صناعة الصابون في المنطقة العربية وحوض المتوسط منذ 3 آلاف عام».
وتضيف لـ«القدس العربي» أن «صناعة الصابون كانت دائما موجودة في المناطق التي تزرع فيها شجرة الزيتون ويعود الفضل بتطوير هذه الصناعة إلى العرب الذين ساهموا بشكل أساسي بعملية التطوير والتحديث لهذه الصنعة المستمرة والمتوارثة من جيل إلى جيل، لهذا تطورت صناعة الصابون خاصة في سوريا ولبنان وفلسطين، بفضل الانتشار الواسع والكبير لزراعة أشجار الزيتون» وأشارت إلى أن الصابون يصنع من زيت الزيتون «حيث حبات الزيتون تتساقط على الأرض قبل نضوجها وهي غير صالحة للأكل تستعمل في صناعة الصابون».
تضيف عازار «أردنا العمل بهذا المتحف لنجعل هذه الحرفة تدوم، وتدوم ونشجع جميع الحرف الأخرى في صيدا والجنوب ولبنان والمنطقة العربية على تأسيس متاحف خاصة بها تروي قصص تطورها». وتقول «إننا نشرح للزائر فوائد الصابون وطريقة تصنيعه من مواد طبيعية لا تؤذي الجلد، بل تساعد في العلاج الجلدي. ويضاف إليها مواد طبيعية مثل ماء المزهر، والعسل، وماء الورد، والحليب، وإضافة مواد أخرى تستخدم في صناعة الصابون».
واعتبرت عازار أن صناعة الصابون اليوم من أعمدة التراث اللبناني والعربي، نتيجة الانتشار الواسع لأشجار الزيتون في الدول العربية وساحل البحر المتوسط.
وقالت إن المتحف الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الـ17 ورمم في عام 2000 عبارة عن مبنى حجري قديم تملكه عائلة عودة التي تشتهر بصنع الصابون.
وأضافت ان الهدف من إنشاء المتحف هو المحافظة على التراث والتمسك بالصناعات الحرفية التي تتميز بها مدينة صيدا ومعظم المدن الساحلية في لبنان مبينة «أننا نشرح لزوار المتحف فوائد الصابون وكيفية تصنيعه من مواد طبيعية» لافتة إلى زيارة أكثر من 45 ألف شخص للمتحف منهم أربعة آلاف زائر من الدول العربية.
وقالت إن المتحف يبين طقوس الحمام الشرقي ومستلزماته ويطلع الزوار على المراحل المختلفة لصناعة الصابون الحرفي انطلاقا من زيت الزيتون في المنطقة الممتدة من مدينة حلب السورية إلى مدينة نابلس الواقعة في الأراضي الفلسطينة مرورا بطرابلس في شمال لبنان المشتهرة أيضا بصناعة الصابون.
يعرض الصابون في المتحف على الجدار وفي مستوعبات زجاجية بطريقة جميلة وتوضع في الطابق السفلي الأجران الحجرية التي توضع فيها الخلطة الأساسية لصناعة الصابون (الزيت والقطرون والعطر وعشنان القلي والغار) ثم تغلى في فرن حجري يعمل على الحطب.
أسرار التاريخ والجغرافيا
بدوره، يشدد المرشد السياحي في متحف الصابون زكريا شاكر على أهمية دور هذا المتحف التراثي في مدينة صيدا، لافتا لـ«القدس العربي» إلى أن متحف الصابون يمنح المدينة أهمية اقتصادية، ويساهم في تنشيط حركة السياحة ويساعد الشباب على إيجاد فرصة عمل.
كما يوضح شاكر، تاريخ هذه الصناعة الوطنية وأهميتها، «تلك الحرفة التي ترتكز على زراعة الزيتون تبوح سرا من أسرار التاريخ والجغرافيا، فهي تمتد من نابلس في فلسطين إلى مدينة حلب شمال سوريا، مرورا بمدينة صيدا اللبنانية».
وأضاف، «عند المرور بجانب متحف الصابون في مدينة صيدا القديمة يشد العبق إلى تاريخ ممزوج برائحة الصابون، هنا يتخطى كونه وسيلة للنظافة ليتحول إلى تحفة جذابة تختزن عراقة مدينة.. هي مدينة صيدا».
تعتَبَر صِناعة الصابون من أبرَز سِمات التُراث اللبناني، ويقوم المَتحَف في مدينة صيدا بالحِفاظ على تاريخ هذه الصِناعَة بالطُرق التَقليدية. لذلك يعد المتحف من أبرز الأماكن السياحية التي تستحق الزيارة لتمثيله أحد مظاهر التراث من خلال تعريفه بحرفة عرفتها البشرية منذ 3 قرون.