تَألُّقٌ في ميادين الطب والقانون والتكنولوجيا والرياضة والفن .. لبنان المُشْرِق يُعانِد الإنكسار بـ... إبداعاتٍ فردية
الراي الكويتية
Thursday, April 21, 2022
.. ثمة «أبيض» يحلّ فوق الرماد اللبناني، فالمآسي الهائلة لم تحجب الضوءَ عن إبداعاتٍ لبنانية حلّقت عالياً في أرجاء العالم... في الطب والقانون والتكنولوجيا والفن وميادين أخرى.
يكاد لا يمر اسبوع من دون «علامة فارقة» لبنانية تتلألأ في دنيا الإبداع رغم الفواجع التي تستوطن «بلادَ الأرز» في السياسة والمال والإقتصاد والصحة والتعليم و... ربما على الصعد كافة.
يَنْدر أن تسمع عن عرسٍ إبداعي عالمي إلا ويكون للبنانيين قرص فيه. وكأن ما يعانونه من مشاكلات يشكل حافزاً لهم للهروب، لا نحو الأمام بل باتجاه الأعلى والأرقى والأنجح. في كل المجالات يتألقون ويحتلون المراكز الأول أو تَظهر أسماؤهم ضمن لائحة الفائزين ليزرعوا الأمل في نفوس شعبٍ ملّ من الإحباط محاولاً التشبث بخشبة خلاصٍ تمنعه من الإنزلاق النفسي والمعنوي والمادي نحو الهاوية.
ناجحون يحصدون ما زرعه فيهم لبنان الماضي، لبنان الزمن الجميل موئل الثقافة والعلم والتطور والفن. هم أجيال شابة أو مخضرمة نشأتْ على قِيَم مختلفة عما تشهده اليوم من حولها وأثبتتْ أن بذرة الإبداع والتميز المتجذرة لا تطمسها أشواك الفساد والأحقاد.
أسماء كثيرة لناجحين أضاءت في 2022 ظلمة لبنان وأجواءه المكهربة، بعضها ألقى عليه الإعلام أنوارَه الكاشفة وبعضها بقي في الظل رغم إنجازاته الكبيرة. «الراي» إستعرضت بعضاً من فيض هذه الإنجازات اللبنانية في مجالات مختلفة من الفن إلى الطب وإقتصاد المعرفة وتقنيات التواصل وصولاً إلى الريادة في الأعمال والرياضة.
«فتوحات» طبية...
في الطب تَعَوَّدَ لبنان على التميّز سواء في خدماته الاستشفائية وأطبائه وجامعاته أو عبر أبنائه المنتشرين في العالم. أخيراً وفي مؤتمرها السنوي الذي تنظمه مؤسسة Nass المتخصصة بالدراسات الطبية حول العَظْم والذي أقيم في شيكاغو في الولايات المتحدة إستطاع جراح العظم اللبناني الدكتور إيلي نجار فرض نفسه كواحد من أهم الباحثين في مجال جراحة العظم العالمية.
وجاء بحثه الذي تمحور حول رعاية العمود الفقري بعد العمليّات المعالجة للإصابات الدقيقة منه كواحدٍ من أهمّ ستة أبحاث لأطباء عالميين في هذا المجال. مع الإشارة إلى أنّ أبحاث الطبيب نجار فازت أيضاً بالجائزة الثانية لأفضل دراسة في الجمعيّة البريطانيّة لجراحة العمود الفقري في وقت سابق من 2022.
وفي المجال الطبي أيضاً كان تميُّز لبناني حيث مُنحت جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي للعام 2021 لثلاثة علماء لبنانيين بارزين ينتمون إلى أسرة الجامعة الأميركية في بيروت. فالبروفسور في الـ AUB علي طاهر حصل على جائزة المؤسسة عن موضوع العلوم التطبيقية الطبية، إلى جانب نظيره من جامعة مونتريال البروفسور نبيل صيدح من مصر، وذلك لأبحاثهما وتجاربهما السريرية التي أوصلت إلى آفاق جديدة لعلاج مرضى التلاسيميا، بالإضافة إلى تطوير عقاقير جديدة وفعّالة لعلاج إرتفاع نسبة الكوليسترول في الدم. والدكتور طاهر هو أكثر علماء التلاسيميا إستشهاداً بأبحاثه في العالم، وقد حصل على العديد من الجوائز والأوسمة لتعليمه وإرشاده لأخصّائيي أمراض الدم في جميع أنحاء المعمورة.
ولم يكن خبراً عادياً إعلان البيت الأبيض إبان إدارة دونالد ترامب تعيين الدكتور اللبناني حسين توبة عضواً في المجلس الإستشاري للعلوم والتكنولوجيا الذي يقدّم المشورة للبيت الأبيض في شأن الأمور المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا.
وتميَّز البروفيسور توبة، الذي تَخَرَّجَ من الجامعة الأميركية في بيروت في 2001 بنجاحه في علاج سرطان الميلانوما القاتل بالعلاج المناعي، بعد تفشيه ووصوله إلى الدماغ، ما ساهم بزيادة معدل الأعمار لدى 56 في المئة من المرضى، إضافة إلى توليه منصب نائب رئيس مجلس الميلانوما للأورام السرطانية.
ويرتكز أحد بحوثه على دراسة دواء «نيفولوماب» مع دواء «ايبيليموماب» لمواجهة سرطان الميلانوما. وكذلك يعمل توبة مديراً مشاركاً في مركز «إم دي أندرسون» الذي أسسه لمعالجة الصعوبات والمشاكل التي تعالج السرطان الذي إنتشر من أعضاء الجسم إلى الدماغ. كما يعمل كمدير في مركز أبحاث السرطان.
بعيداً عن الطبّ وفي مجال العلوم الإنسانية نال البروفسور رمزي بعلبكي، أستاذ اللغة العربية في الجامعة الأميركية في بيروت، جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في مجال العلوم الإنسانية والفنون والآداب عن موضوع علم اللغويات في تخصص اللسانيات المعجمية والنحو العربي. والبروفسور بعلبكي رئيس المجلس الأكاديمي لقاموس الدوحة التاريخي للغة العربية. وحصل في 2010 على جائزة الملك فيصل العالمية لمساهمته في دراسة النحو العربي.
ومن ضمن جوائز المؤسسة الكويتية وفي مجال العلوم الإقتصادية والإجتماعية حصل البروفيسور فؤاد عبد الخالق على جائزة المؤسسة عن موضوع العلوم التربوية، لأبحاثه في تعليم وتعلم العلوم وقد شغل البروفيسور عبد الخالق منصب عميد كلية التربية بجامعة نورث كارولينا - تشابل هيل منذ العام 2016.
وتكثر المجالات التي حاز فيها أفراد أو جماعات لبنانية على جوائز عالمية. فعلى صعيد القانون الدولي والمحاماة تنافس طلاب القانون والعلوم السياسية في مسابقة القانون الدولي الخاص، التي نظمتها جامعة Paris-Saclay المرموقة. وقد فاز الفريق اللبناني المكون من ميشال غاوي وجويل ستيفان وماريان زغيب بالجائزة الثانية في المسابقة. وكان على الطلاب خلال المسابقة التعامل مع ملف تَقاضي دولي ومواجهة مشكلة غير مسبوقة، وبناء حجة مبتكرة لدعم موقفه والمرافعة أمام هيئة محلفين تحاكي محكمة باريس التجارية.
تميّز فردي في غياب الدعم الرسمي
ومن الأدلة الكثيرة على تفوق أبناء «بلاد الأرز» أينما حلوا تعيين شركة النفط والغاز البريطانية متعددة الجنسيات «شل»، اللبناني الكندي وائل صوان في منصب الرئيس التنفيذي التالي للشركة. وتأمل «شل» أن يساعد صوان الذي وصفه رئيسها بأنه قائد إستثنائي، في تعزيز الإنتقال إلى خطط أكثر مراعاة للبيئة وقيادة الشركة نحو المزيد من النمو.
وتستمر لائحة النجاحات التي بقيت بعيدة عن أضواء الإعلام لكن الظل لم يُلْغِ تميزها. فقد أعلنت جمعية المبدعين اللبنانيين برئاسة نور لطوف، فوز لبنان بسبع ميداليات عن سبعة مشاريع قدمت في معرض اسطنبول الدولي السابع للإختراعات الذي إستقبل مليون زائر من دول مختلفة و 270 مخترعاً من 13 دولة بينها لبنان.
«ثورة» شبابية...
وعلى صعيد تقنيات التواصل ضجّ لبنان والعالم العربي بخبر إختيار الشابة اللبنانية يارا بو منصف كواحدة من سفراء المحتوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وجاء هذا الإختيار كجزء من مبادرة جديدة، أطلقتْها شركة Meta العملاقة ضمن برنامج "Creators of Tomorrow" الذي يهدف إلى تسليط الضوء على منشئي المحتوى من جميع أنحاء أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط.
تخطط يارا لإستخدام منصتها لنشر الوعي بالقضايا المهمة التي يهملها مجتمع الشرق الأوسط. كما تريد أن تلعب دوراً رئيسياً في المساعدة في تغيير المشاكل الرئيسية التي يواجهها الناس في لبنان في ما يتعلق بحقوق المرأة ولغة الإشارة.
من جهة أخرى وكدليل على تَفوُّق الشباب اللبناني في عالم التكنولوجيا و التواصل، شارك الشاب إيليا طنوس البالغ من العمر 15 عاماً في فاعلية جيتكس 2022 وهو أحد أكبر الأحداث التقنية في الشرق الأوسط، والتي تقام
وكان إيليا من في دبي واعتُبر «معجزة» الأمن السيبراني نظراً لصغر سنه وتفوقه في هذا المجال الصعب.بين أصغر المشاركين وتحدّث أمام الحضور بكل ثقة عن تجربته المتميزة في مجال الأمن السيبراني وأهمية إشراك الشباب في هذا المجال الذي يشهد نقصاً عالمياً في الموارد البشرية. وكانت شركتان رائدتان في مجال الأمن السيبراني قد تبنّتا سابقاً الشاب اللبناني المبدع كسفير لهما.
وتتوالى الأخبار الحلوة التي تبدّد ظلمة لبنان فقد كشفت مجلة «فوربس» الشرق الأوسط عن قائمتها السنوية لناجحين تحت سن الثلاثين التي تضم مجموعةً مُلْهِمة من رواد الأعمال والمبتكرين والرياضيين في 6 فئات مختلفة. وقد ضمت القائمة للعام المنصرم 35 شخصاً من 13 جنسية بينهم 6 شباب من لبنان أثبتوا مرة جديدة قدرة الشباب اللبناني على مواكبة العصر والتطور رغم الأزمات التي تجرهم إلى الخلف.
تألق رياضي وريادة فنية
رياضياً كانت 2022 سنة التألق اللبناني الذي أظهر قدرة شباب الأرز على بلوغ أعلى المراتب وزرع الفرح في قلوب مواطنيهم فيما بلدهم يَعبر أسوأ مراحله. فكان حدَث فوز منتخب لبنان بالمرتبة الثانية في بطولة آسيا (و أوقيانيا) لكرة السلة حدثاً وطنياً بإمتياز ملأ القلوب فخراً وأملاً. وجاء تتويج اللاعب وائل عرقجي كأفضل لاعب في البطولة ليؤكد ما يمكن لإردة الشباب اللبناني أن تحققه وتصل إليه دون أي دعم من أحد. وكانت قناة CNN الأميركية قد نشرت تقريراً عن «ماراتون» المنتخب اللبناني لكرة السلّة في بطولة آسيا التي أُقيمت في إندونيسيا، والتّي حلّ بها رجال الأرز في المركز الثاني بعد أستراليا، حيث كان لافتاً المستوى البطولي للبنانيين في الوصول إلى النهائي بالرغم من كلّ المعوّقات والأزمات التي تعصف بالبلاد. ولا بد من الإشارة الى أن المنتخب اللبناني أكمل مسيرته المشرقة متأهلّاً إلى بطولة العالم لكرة السلة.
وفيما بلغ منتخب لبنان للذكور بكرة السلة تحت الـ 18 نهائيات بطولة العالم التي ستقام هذه السنة بعدما كان منتخب تحت الـ 16 تأهل إلى نهائيات بطولة العالم التي أقيمت في اسبانيا الصيف الماضي، حاز فريق سيدات بيروت على لقب بطل الأندية العربية بكرة السلة للسنة الثانية على التوالي، بتغلبه في المباراة النهائية على سيدات الثورة السوري.
وقبل أيام أحرزتْ ناشئات منتخب كرة القدم اللبناني بطولة غرب آسيا في الأردن واحتفظن باللقب وذلك بعد الفوز على منتخب الأردن، وتُوّجَت اللاعبة سيسيل اسكندر هدّافةً للبطولة (بمجموع 4 أهداف) واللاعبة مارسيل سكَيكي كأفضل حارسة مرمى.
كذلك تألق المدرّبون اللبنانيون مع أكثر من فريق عربي في كرة السلة وقادوا فرقهم نحو النصر في بلدانهم، فاستطاع المدرب غسان سركيس مثلاً قيادة فريق الأهلي الطرابلسي للفوز بالدوري الليبي كما قاد المدرب جو مجاعص فريق الأهلي البحريني للفوز بكأس خليفة بن سلمان.
وفي الرياضة الميكانيكية فاز الطفل كريستوافر الفغالي ببطولة العالم في الكارتينغ للصغار في البرتغال متفوقاً على سائقين من بلدان عالمية، فيما أحرز السائق الشاب أليكس الفغالي مركزاً متقدماً في سباقات السرعة في الأردن.
فنياً لم يعد خافياً على أحد ما حققته فرقة «مياس» الشابة من نجاح مدوٍّ في برنامج «أميركاز غوت تالنت» وإحتلالها المركز الأول بعرض مبهر أدهش العالم. وعلى غرارها شكلت المغنية اللبنانية ميريام فارس ظاهرة عالمية في مونديال قطر بعدما أدت الأغنية الرسمية للمونديال مع فنانييْن عالمييْن وكان للأغنية أثر مدو عالمياً رغم إنتقادات طالتها محلياً، وقد عمدت شبكة التلفزيون الأميركية المعروفة Fox 5 إلى إجراء مقابلة ضمن نشرتها الإخبارية مع النجمة اللبنانية لمناسبة إنتشار أغنيتها ورقصتها بشكل جنوني عبر العالم.
وتستمر مسيرة الإبداع بوصول الأفلام اللبنانية السينمائية المتواضعة الميزانية لكن الغنية بالأفكار المبدعة الى المهرجانات العالمية ونيْلها جوائز مختلفة. فمن كوستا برافا إلى Broken Key و«أرزة» و«البحر أمامكم» يتجدد الإثبات على طاقات أبناء هذا الوطن الصغير ونجاحاتهم التي تضرب جذورها عميقاً في أرض إعتادت على العطاء.
ولم يكن عابراً إفتتاح «موسم الرياض» العامر هذه السنة والذي يحلق «فوق الخيال» بإطلالة النجمتين اللبنانيتين اليسا وهيفاء وهبي إضافة إلى سواهما من الذي يضيئون المهرجانات في العواصم العربية قاطبة، قبل أن يشكّل 7 نجوم لبنانيون (اليسا، وائل كفوري، نانسي عجرم، عاصي الحلاني، وليد توفيق، نجوى كرم ونوال الزغبي) ركيزة أمسيةِ «تريو النايت» ليلة رأس السنة مع 5 نجوم عرب آخرين إلى جانب مفاجأة الحفل سلطان الطرب جورج وسوف، في إحتفاليةٍ غير مسبوقة في الشكل والمضمون حجزت الرياض معها مكاناً إضافياً «فوق النجوم» في فضاءات النجاحات المبهرة على مختلف المستويات.
... إنها الصورة المُشْرِقة من لبنان الذي يعاند الإنحلال والتفكك والإنهيار... صورة لن تمحوها غدرات الزمن.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها