غادة عون ... حكاية قاضية «مثيرة للجدل» في لبنان
الراي الكويتية
Thursday, April 21, 2022
في 12 أكتوبر 2017، وفي مرسوم رقمه 1570 أصبحتْ القاضية غادة عون نائبة عامة في جبل لبنان. ومنذ تلك اللحظة بات اسمها مُرادِفاً لملفات كثيرة ولإشكالات أكثر، وصار يتردد على لسان العامة والخاصة، كما لم يُتَح إلا لقلةٍ من القضاة والمدّعين العامين أن يكونوا.

ابنة الدامور، بلدة شوفية ساحلية اشتهرتْ بسياسييها وبصحافييها، وبأنها عَرفت مأساةَ الهجير على وقع الحرب اللبنانية التي دمّرت تاريخاً طويلاً فيها.

درستْ عون القانون في جامعة القديس يوسف – اليسوعية، ومن ثم معهد العلوم القضائية، ودخلتْ سلك القضاء وتَدَرَّجَتْ وتَنَقَّلَتْ في عددٍ من المَناصب والمَحاكم، قبل أن تتاح لها الفرصة لأن تكون من ضمن التشكيلات القضائية التي صَدَرَتْ بعد طول انتظارٍ في عهد الرئيس ميشال عون.

لا يُعرف الكثيرُ عن غادة عون بالمعنى المباشر. ما يُعرف عنها ينقله قضاةٌ إما أَحَبوها أو ناصبوها العداء. ولذا تراوح سيرتُها الذاتية بين أوصافِ مَن يدافع عنها ومَن عمل معها في سلك القضاء، وفيها أنها قاضيةٌ مُحْتَرِفَةٌ ودقيقةٌ في عَملها ولا توجد عليها أي شائبة شخصية او مسلكية ولا مسّها فساد ولا شبهة مالية، وبين مَن يرى فيها قاضية تتعدى صلاحياتها فترتكب أخطاء مميتة تُراكِمها على أخطاء، وأنها أولاً وآخراً تنتمي الى «التيار العوني» وليس الى «التيار الوطني الحر» (أسسه الرئيس عون) كإطار تنظيمي.

ليست كنية عائلة عون الدامورية هي التي تربطها بالرئيس السابق للجمهورية ابن حارة حريك، بل ان القاضية رأتْ منذ التسعينات أن «الجنرال» على حق. وبعد عودته من باريس (مايو 2005)، نامت عون على وعدٍ بأن تكون امرأة القضاء كما كان غيرها من القضاة موعودين بمناصب قضائية، ضَمَنَها لهم جنرال الرابية في إطار المحاصصاتِ والتعيينات في الحكومات المتعاقبة منذ 2005.

وجاءتْها الفرصةُ الاستثنائيةُ من ضمن تشكيلات عام 2017، بعد ان انتُخب عون رئيساً للجمهورية، وقد استفاد من تعيين قضاةٍ محسوبين عليه في هذه التشكيلات. نُظر اليها منذ تلك اللحظة على أنها المُدافِع الأول عن العهد وانها الناطقة باسمه قضائياً وخصوصاً بعدما بدأ بعض القضاة الذين سماهم العهد يتخلّصون من عبء التركة ويمارسون استقلاليتهم. إلا عون التي يناصرها «التيار الوطني الحر» والتي تحولت بالنسبة إلى القاعدة العونية المرأة الشفافة والقاضية العادلة والتي تُحارِب وحدها كل ملفات الفساد في لبنان. وهي لم توافر مُناسَبةً إلا وأشادت برئيس الجمهورية السابق وكتبتْ عنه يوم مَنَحَها وسام الاستحقاق اللبناني المذهب «يا أنزه وأشرف الناس. يا مَن أنقذتَ البلد من أبشع عصابة إرهابية وجعلتَ من لبنان دول نفطية. شكراً لأنك كنتَ دائماً أميناً للقسَم. فناضلتَ ضد الفساد وتَمَسّكْتَ بالتدقيق الجنائي رغم كل التجني، ودعمتَ كل قاضٍ قرّر التضحيةَ بكل شيء في سبيل نصرة العدالة ومحاربة الفساد».

يمكن أن يكون الإعلامُ التلفزيوني ساهَمَ في تظهير صورةٍ متناقضة لعون، ولا سيما في عملية الدهْم التي قامتْ بها لمكاتب شركة الراحل ميشال مكتف. وبغض النظر عن ثقافتها القضائية أو شجاعتها، كما يَحلو لمُناصريها وصْفها، فإن ما قامت به وبُث على شاشات التلفزيون من عراضة إعلامية برفقة مناصري «التيار الوطني» و«الحرس القديم»، أعطى لها صورةً بشعة فاستغلّها مُعارِضوها شكلاً ومضموناً، ولا سيما حين ظهرتْ تَدْفَعُ أبوابَ الشركة وتَصْرخ في الحرس وبشعرٍ أشعث تحوّل مادة تَهَكُّم. لكن عون لم تلتفت الى كل ما تَعَرَّضَتْ له من هجمات شخصية وسياسية. وحتى حين توفّي مكتف لاحقاً ولاحقتْها الاتهاماتُ بأنها كانت وراء موته بذبحة قلبية، كان تعليقها «القاضي النزيه المؤمن برسالته ما عندو أعداء. هو يقوم فقط بواجبه احتراماً لقَسَمه بتطبيق القانون وملاحقة المُرْتَكِب حمايةً للمجتمع. ولذلك كل استثمارٍ رخيص لحادثةِ موتٍ مُفْجِعة هو فقط انحطاطٌ أخلاقي».

تتمسك عون بأنها دائماً على حق، هي التي «اشتهرتْ» أيضاً بما يشبه لعبة «القط والفأر» مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي لم تتردّد الصيف الماضي، في سياق «البحثِ» عنه، في دهْم مقرّ «المركزي» (في الحمراء) وتفتيشه «غرفة غرفة» قبل أن تُردّ على أعقابها من أمام مكتبه لأنها تعدّت نطاق اختصاصها الجغرافي. وقد تكون الآية الانجيلية التي تستخدمها كعنوان لـ «تويتر» الخاص بها معبّرة جداً «الرب نوري وخلاصي فممن أخاف، الرب حصن حياتي فممن أفزع». فهذه علامتها على أنها لا تخاف ولا تتراجع. وتعبّر كتاباتها على «تويتر» عن آرائها القضائية ومسلكيتها في مقاربة الملفات التي تتسلّمها. تهاجم وتنتقد وتدافع عن ملفات تقول إنها لا تتراجع عنها. وفي سلوكها ما بعد خروج الرئيس عون من قصر بعبدا، استمرّت تُجاهِر برغبتها في الوصول إلى حقائق تراها غير قابلة للمساومة. فتشنّ معارك مصرفية وسياسية وتفتعل إشكالاتٍ، وتردّ على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتتّهمه بالتدخل بالقضاء، وتهاجم وزير الداخلية بسام مولوي بصفته قاضياً، وتناشد العواصم الأوروبية حماية ملفاتها ضدّ المصارف وفي مكافحة تبييض الأموال.

ولا شك في أن حملتها ضدّ المصارف تواجه نوعيْن من التعاطف. الأول تَعاطُف نهائي بصفتها مؤيّدة للرئيس عون وللتيار الوطني الحر في معركتهما ضد البنوك وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والثاني مُتعاطِف مع معركةٍ مُطْلَقة ضدّ المصارف كونها مسؤولة عن فقدان اللبنانيين مدخراتهم، ولكن من دون التعاطف مع القاضية عون سياسياً.

في المقابل، الفريق الذي يؤيّد المصارف ويناهض التيار الوطني الحر سياسياً يرى أن ما تقوم به من ادعاءاتٍ وملاحقاتٍ هو استهداف للقطاع المصرفي وضرْبٌ له. ويؤخذ عليها أنها «تفتح على حسابها»، وترفض تبلُّغ طلبات الرد بحقّها، وتخرق موجب التحفظ لدى القضاة، وهي مخالفات شكّلت حيثيات إحالتها على التفتيش القضائي والمجلس التأديبي.

إلى هذا الحد أوجدتْ عون هذا الاختلاف في النظرة إليها، حتى في ملفٍ مكتمل العناصر. إلا أن طريقتها وأداءها يولّدان هذا الكمّ من العدائية فتتحول شخصاً مستهدَفاً على الدوام من جانب خصومها داخل الجسم القضائي وخارجه، سياسياً وإعلامياً وأمنياً. حتى الآن، لم تتمكّن غادة عون إلا من إيجاد عداوات لها. فقضائياً تعثّرت ملفاتُها وتجمّدت، وأثارتْ سجالات سياسية وقضائية. وكل فترة تُحْدِث صدمةً جديدة وتفتعل إشكالاً إضافياً. في المقابل لا تزال يداها مكبلتين، نتيجة نظام المحاصصة والتوزيعات السياسية التي تجعل من الصعب عليها تَجاوُز الجميع لتحقيق ما تراه عادلاً. والعدالة ليست تماماً ما تنادي به عون.

Monday, February 27, 2023 - إقرأ الخبر من مصدره

تابعوا أخبارنا عبر خدمة : google-news

ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها

Copyright © 2023 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top