هذه دولة أم غابة؟ يتردد السؤال على ألسنة اللبنانيين كلما عاينوا مظهراً من انحلال الدولة وتفككها، وهي وافرة وآخرها يوم الأربعاء، مع تداول مقطع مصور تظهر فيه طائرة تابعة لطيران الشرق الأوسط وهي تحلّق في أجواء بيروت بين طلقات رصاص نارية، قبل هبوطها في مطار رفيق الحريري الدولي.
نجت الطائرة المدنيّة من كارثة محقّقة بفعل إطلاق النار في منطقة الجناح المحاذية للمطار خلال اشتباك مسلح بين عائلتي صفوان والمقداد، تخلله إطلاق قذائف «ب7»، وذلك على خلفية إشكال سابق بينهما منذ أيام.
حوادث سابقة
لم تعد حوادث كهذه خارجة عن سياق المشهد اللبناني العام. اذ تتكرر الأخبار عن تعرض منشآت في مطار بيروت للرصاص الطائش، ناهيك عن تعرض سلامة الطيران لخطر محدق. وفي مطلع السنة الحالية أصيبت طائرتان مدنيتان متوقفتين في المطار من جراء إطلاق نار عشوائي. وفي نوفمبر الماضي اخترقت رصاصة ظهر طائرة تابعة للـ«ميدل إيست» على متنها عدد من الركاب، من بينهم النائبة بولا يعقوبيان. وكانت هذه المرة الأولى التي تتعرض طائرة للرصاص خلال هبوطها في أرض المطار، بحسب رئيس مجلس إدارة الشركة، محمد الحوت.
حمية: أمن المطار أولوية
يأسف وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية لحادثة إطلاق النار العشوائي. ويؤكد أن «المطار لم يكن مستهدفاً ولا الطائرة»، مشدداً على أن «أمن المطار وحركة الطائرات أولوية عند الدولة اللبنانية، وكل من يطلق النار بشكل عشوائي في محيط المطار لا غطاء عليه من أحد ويجب توقيفه».
اثر كل حادثة تتعالى الاصوات المطالبة بفتح مطار جديد في منطقة آمنة بمنأى عن السلاح المتفلت، على غرار حملة «شيلوا المطار من طريق المطار» التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أمس.
السفر عبر المطار مغامرة
«يا سلام على دول محور المقاومة، أمن وأمان»، يقول رائف بيضون متهكما، وهو الذي تزامن موعد اقلاع طائرته الى فرنسا، ومنها الى الولايات المتحدة، مع اندلاع الاشتباك بين العشيرتين.
«كل رحلة عبر مطار بيروت هي مغامرة غير محسوبة النتائج ولكننا مجبرون على خوضها لعدم توفر البديل». فالمطار غير آمن بالدرجة الاولى نظرا لمحاذاته لمناطق شعبية تسرح فيها عصابات تجارة المخدّرات والسرقات (خصوصا في في الشويفات وحيّ السلّم)، وتتكرر فيها الاشتباكات المسلحة بين العشائر، واطلاق الرصاص في كل مناسبة. عدا عن محاذاة المطار لمطمر نفايات الكوستا برافا حيث تتجمّع طيور النورس وتهدد حركة هبوط وإقلاع الطائرات. ويلاحظ عاملون على أرض مدارج المطار وجود طيور ميّتة نتيجة اصطدامها بأجسام الطائرات، من دون تسجيل حوادث كبيرة في هذا المجال.
اتفاق ضمني يسيِّر عمل المطار
يختزل أحد المسؤولين السابقين في شركة طيران الشرق الأوسط (شغل موقع منسق او ضابط ارتباط)، الوضع في مطار بيروت بأنه «يمشي على ما يقدر الله»، جازماً ان كل الجهات المعنية من اتحاد النقل الجوي الدولي الى الأجهزة المدنية والعسكرية يدركون حجم الفوضى والتسيب والاهمال بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمرّ بها لبنان وكذلك بفعل التعقيدات السياسية ونفوذ قوى الامر الواقع. وعلى الرغم من عمليات تهريب المخدرات والسلاح، لا يزال المطار يعمل وفق اتفاق ضمني بين جهات محلية وأجنبية مستفيدة من وجوده.
يحز في نفسي ان اقول بعد 12 سنة عمل في المطار أن مطار رفيق الحريري الدولي كما يسمونه هو «مطار ميليشيات»، يقول المسؤول السابق. «الموظفون ينتمون للميليشيات. ولكن لا مطار آخر سواه ومن هنا وجوب المحافظة عليه».
سلاح متفلت
سلاح غير شرعي كاد يتسبب بكارثة جوية في حادثة ليست الأولى من نوعها. وظاهرة السلاح المتفلت في لبنان تتسع وتأخذ مداها اطراداً مع تعمق الانهيار المعيشي وانعدام الامان الاجتماعي.
ويلجأ اللبنانيون إلى شراء السلاح الفردي لحماية انفسهم ومنازلهم من جرائم السطو والسرقة التي ازدادت بعد الانهيار المالي، ولجوء المواطنين الى ادخار أموالهم في منازلهم بحيث تتحدث مصادر رسمية عن نحو 7 مليارات دولار في المنازل.
وقبل نحو عام، ذكر موقع سويسري متخصص برصد ومكافحة انتشار الأسلحة الفردية على مستوى العالم، أنه يوجد 31.9 قطعة سلاح فردي لكل 100 شخص في لبنان، ما يعني أن الرقم الإجمالي لقطع السلاح 1.927 مليون قطعة، لعدد سكان يقدر بنحو 6 ملايين نسمة، ما يعني أن لبنان يحتل الترتيب الثاني عربياً بعد اليمن، والتاسع عالمياً، في عدد قطع السلاح بالنسبة لعدد السكان.
إحباط عمليات تهريب
بالتزامن مع مظاهر التسيب التي تهدد أمن المطار، أعلنت قوى الأمن الداخلي عن احباط عمليّة تهريب كميّة من المخدرّات داخل ثلاث طاولات خشبيّة إلى إحدى الدول الأوروبيّة، وذلك في إطار العمل الذي يقوم به مكتب مكافحة المخدّرات المركزي في وحدة الشرطة القضائية لمكافحة عمليات تهريب المخدّرات، وبخاصةٍ عبر مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري الدولي.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها