لبنان دَخَلَ مرحلةً انتقالية بـ «أجنحة متكسّرة» رئاسياً وحكومياً
صحيفة الراي الكويتية
Thursday, April 21, 2022
منتصف ليل 31 أكتوبر - 1 نوفمبر غادَرَ العماد ميشال عون كرسي رئاسة الجمهورية في لبنان لتُطوى رسمياً ولايةٌ من ست سنوات طَبَعَها «الجنرال» المسكون بحنينٍ دائم إلى الجبهاتِ التي «تَقاعَد» منها عسكرياً و«أشعلها» حين انتقل إلى المقاعد السياسية معاركَ مفتوحةً قبل أن يرتدي البزة الرئاسية و... بعدها.

وعشية أول يوم شغورٍ رئاسي، هو الثالث على التوالي يقيم خلف أسوارِ القصر الجمهوري منذ 2007 ويضع «النظامَ التشغيلي» لجمهورية الطائف أمام امتحانٍ صعب، بدت بيروت في إستراحة ما بين عاصفتين: العاصفة التي أطلق فيها العماد عون وابلاً من المواقف التصعيدية تغطية لخروجه من القصر الرئاسي على وهج اشتباكٍ دستوري، وعاصفة لاهبةً لن تنتظر طويلاً مع شحذ السكاكين على الطريق إلى صناعة رئيسٍ جديد للبلاد.

وبقيت بيروت أمس تحت تأثير لجوء عون إلى «حلِّ» حكومة تصريف الأعمال «سياسياً» ومخاطبته البرلمان برسالةِ «ربْطِ نزاعٍ» مع مرحلة الشغور و«الفوضى الدستورية» التي دشّنها توقيعُه مرسوم قبول استقالة الحكومة المستقيلة حُكْماً منذ ما بعد انتخابات مايو الماضي، وذلك تحت عنوان عدم دستورية انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إليها، علماً أن هذه المرة الأولى يحلّ الفراغ في الكرسي الأولى ولا تكون هناك حكومة كاملة الصلاحيات.

وحدّد رئيسُ البرلمان نبيه بري بعد غد الخميس موعداً لجلسة تلاوة الرسالة، من دون أن يُعرف إذا كان مجلس النواب سيكتفي بسماعها ويعتبر أن تَحَوُّل عون رئيساً سابقاً يجعل البرلمان في حلّ من ردٍّ عليها يجرّه إلى تفسيرٍ للدستور (يتطلب غالبية الثلثين) يُفْضي إلى واحد من أمريْن:

إما تقييد حركة الحكومة المستقيلة في تأدية صلاحيات الرئاسة الأولى في كنف تصريف الأعمال ونطاقه الضيّق.

وإما «انقلاب السحر على الساحر» وتكريس ما تتقاطع قراءاتٌ دستورية على اعتباره «لزوم ما لا يلزم» وخطوة «كأنها لم تكن» في توصيف توقيع رئيس الجمهورية مرسوم اعتبار الحكومة الحكومة مستقيلةً من دون اقترانه بتشكيل حكومة جديدة، ما يعني إطلاق يد حكومة ميقاتي بصفتها الرئاسية، وإن ضمن السقف الذي رسمه الأخير بتأكيده «لن أدعو إلى مجلس وزراء إلّا بالحالات القصوى، وسأصرّف الأعمال كما يجري الآن، ولا أرغب بالمشاكل والصِدام(يلي فينا بكفينا)».

وإذ يحاول ميقاتي «استيعاب الصدمة الأولى» لخطوة عون التي اعتبرها «تفتقد لأي قيمة دستورية»، مؤكداً مضيّه في تصريف الأعمال، وفق ما أبلغ الى بري في رسالة لـ «أخْذ العِلم»، لم يتوهّم أحد في بيروت بأن الساعات الفاصلة عن منتصف الليل ستحمل «الترياق» في الملف الحكومي بعدما بكّر رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في كشف الطابع «المناوراتي» لرسالة رئيس الجمهورية الى البرلمان معتبراً أنّ عدم إسراع بري إلى دعوة النواب إلى عقد جلسة أمس «لاتخاذ قرار أو إجراء» إزاء مضمون كتاب رئيس الجمهورية «يؤكد نية عدم التشكيل ووضع اليد على صلاحيات الرئيس وفرض سلطة غير ميثاقية ولا دستورية».

ويسود الانتظار «الخطوة التالية» لفريق عون ابتداء من اليوم بعد تفريغ ورقة مرسوم إقالة الحكومة المستقيلة من مفعوله الدستوري وتكريس دخول البلاد مرحلة انتقالية على متن «أجنجة متكسرة» رئاسياً وحكومياً، وسط اعتبار أوساط مطلعة أن حتى «رصاصة» استقالة الوزراء المحسوبين على «التيار الحر» من تصريف الأعمال لا تبدو قابلة لإصابة «الأهداف».

أولاً بفعل تلويح ميقاتي بأن باستطاعة هؤلاء «أن يطلبوا إعفاءهم من مهماتهم، فإما نعيّن مكانهم وإما يتولّى الوزراء بالوكالة وزاراتهم»، وهو ما قد يجعل التيار يخسر وزاراتٍ دسمة مجاناً إلا بحال اختار إعلان «التمرّد» على التسليم للوكلاء.

وثانياً بفعل عدم حماسة «حزب الله» لتغطية فراغ شامل ستشكله مقاطعة تصريف الأعمال وفق صيغة الاجتماعات الوزارية «على الملفّ» وتسيير كل وزير لشؤون وزارته، وسط ملاحظة أن ميقاتي الذي توجّه أمس الى الجزائر لترؤس وفد لبنان الى القمة العربية ومعه وزير الخارجية عبدالله بوحبيب والطاقة وليد فياض (من فريق عون)، تابع نشاطه الوزاري أمس وكان على أجندته اجتماع مع وزير الأشغال والنقل علي حمية (من حصة حزب الله) «بناء على القرار الصادر بتشكيل لجنة برئاسته وعضوية الوزارات المعنية بعملية ترسيم الحدود من الجهة الغربية والشمالية مع كل من قبرص وسورية».

في موازاة ذلك، كان بارزاً في الساعات الماضية إطلاق إشارات عدة أريد منها جعل باسيل - المرشح الطبيعي للرئاسة - مشروع مرشح جدي، وهو ما لمح اليه عون في حمأة تصريحاته الأخيرة وعزّزه عرض القوة الشعبي لـ«التيار»في ملاقاة مغادرة مؤسِّسه القصرَ الجمهوري (الأحد) وعودته إلى قواعده بعد ستة أعوام من الحُكْم.

ورغم أن مصادر واسعة الاطلاع في بيروت يحلو لها الربط بين دفع فريق عون الاستحقاق الرئاسي إلى فراغٍ يريده طويل الأمد وبين تعمُّد تظهير دوره الرئيسي في اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، للقول إن صفقةً ما تمت لإعادة«إنتاج»باسيل كمرشح أول للرئاسة، فإن ثمة مَن يجزم في بيروت بأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء.

ولم يكن عابراً اللقاء الذي عُقد أخيراً بين الأمين العام لـ«حزب الله»السيد حسن نصرالله وباسيل عشية مغادرة عون القصر الرئاسي مع انتهاء ولايته ودخول البلاد في شغور رئاسي تجري محاولات لـ«ضبط عقاربه»تجنباً لانفلات الأمور في البلاد تحت وطأة الأزمة الشاملة التي يعانيها.

ورغم شح المعلومات عما دار بين نصرالله وباسيل، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع في بيروت تجزم بأن«حزب الله»لم يقدّم أي وعدٍ لباسيل وليس في وارد دعم خياره الرئاسي على الإطلاق.

ورأت أن«حزب الله»غالباً ما نصح باسيل بالتفاهم مع «المرشح الطبيعي» سليمان فرنجية، ليس لأن فرنجية مرشّح الحزب، بل لأن في إمكانه المساعدة على ضمان أي اتفاق بين الرجلين.

وعكست هذه الأوساط تشدُّداً من باسيل في رفْض تبني ترشيح فرنجية، وتالياً فإن «حزب الله» يترك اللعبة تأخذ مداها ربما في انتظار اكتشاف رئيس «التيار الحر» عزلته كنتيجةٍ لسلوكه السياسي في العلاقة مع غالبية الأطراف في البلاد.

وفُهم من المصادر المتابعة عن قُرْب لما يجري في الكواليس، أن باسيل يمضي في رفض دعم ترشيح فرنجية كما أنه يرفع«لا كبيرة»على اسم قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي ربما تقتضي الظروف الداخلية والخارجية بجعله مرشحاً جدياً للرئاسة.

ورأت المصادر أن «حزب الله» الذي دأب على المطالبة بالتوافق على اسم الرئيس العتيد، ينأى بنفسه حتى الآن عن تبنّي أي مرشح حتى فرنجية، فهو واستناداً إلى تقويمٍ سلبي لتجربته في فرْض ما اعتُبر «تَوافُقاً قهرياً» على عون سيتعامل على أنه جزءٌ من المعادلة اللبنانية في صناعة الرئيس ولن يشكل أي قاطرة لمجيء رئيسٍ بعيْنه.

CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top