صحيفة الراي الكويتية تكشف خفايا المهمة الشائكة للمطران بو نجم .. الكنيسة تحفر جبل الخلافات بإبرة
الراي الكويتية
Thursday, April 21, 2022
كأنها على طريقة «حَفْر الجبل بإبرة». هكذا تبدو المحاولةُ - المغامَرة التي تخوضها الكنيسة المارونية في «المقلب المسيحي» من «جَبَل الخلافات» السياسية بالدرجة الأولى التي تسترهن انتخابات رئاسيةً دخلت منذ نحو شهر ونصف الشهر في «كوما» شبه تامة (مع تعليق الدعوة لجلسات انتخاب في البرلمان) وتسعى بكركي لإيقاظها ولو بـ «إبرةِ» مساعٍ توفيقية تسير فيها «بين الألغام» ويُخشى أن تترك «ندوباً» في هيْبتها كمرجعيةٍ ذات ثِقْل وطني كبير.

في العادة يتولّى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إدارة الشأن الوطني - السياسي لبكركي. وهو نادراً ما أعطى حتى اللجان السياسية المتفرّعة قرارَ إدارة ملفات سياسية يُعنى بها مباشرة.

ومن هنا جاءت حركةُ راعي أبرشية انطلياس المارونية المطران انطوان بونجم، في ملف رئاسة الجمهورية لتسلّط الضوءَ على الهدف من مباركة الراعي تولّي مطرانٍ حديثٍ في الاهتمام بالشأن السياسي بالمعنى المباشر، إدارةَ ملفٍ يحمل كل هذه العناصر المتفجّرة، بين قادة موارنة ونواب مسيحيين تقع عليهم مَهمة التوافق على رئيس للجمهورية.

لا تراتبيةَ في الكنيسة المارونية من حيث الأهمية المعقودة لمطارنة، في لعب أدوار سياسية. لكن عادةً يكون لأبرشية بيروت أولوية كون الأخيرة هي العاصمة ومطرانها تقع ضمن سلطته مناطق واسعة من بيروت إلى الشوف وعاليه، ومن هنا كان رئيس أساقفتها يلعب دوراً إلى جانب بكركي في تظهير مواقف الصرح.

ومع ذلك حين أرادتْ مجموعةٌ سياسية عُرفت لاحقاً بـ «لقاء قرنة شهوان» الوقوفَ إلى جانب البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير بعد النداء الأول لمجلس المطارنة (سبتمبر 2000)، في معركته للحرية والسيادة والاستقلال، اختار صفير راعي أبرشية انطلياس الراحل المطران يوسف بشارة ليكون مُرافِقاً لها.

عُرف بشارة بمواقفه الصلبة والحادة ولم يكن مُساوِماً في آرائه ومواقفه إلى جانب صفير وقرنة شهوان. وكانت له تلك الهالة التي جعلتْ منه مرشحاً لخلافة صفير، قبل أن ترسو القرعة على الراعي.

مع الراعي ظلّت الكلمة الأولى والأخيرة له ولحلقة من القريبين منه وليس لمطارنة أو حتى لنوابه العامين. وحين أراد بدء مرحلةِ الحوار حول انتخاب الرئيس، أطلق مشاوراتٍ للقاء القادة الأربع الموارنة وطَرَحَ فكرةَ عَقْدِ لقاءٍ للنواب المسيحيين، وحصل على تفويض من البطاركة الكاثوليك والارثوذكس للدعوة الى هذا اللقاء.

لكن الاجتماعات التي عَقَدَها الراعي فشلتْ في تحقيق أي خرق، وهو كان صريحاً أمام مَن التقاهم أنه لم يستطع تحقيق أي تقدم في تخفيف شروط القوى الأربع المارونية للوصول الى انتخاب رئيس.

كما كان واضحاً في محاولته تدوير الزوايا مع مَن التقاهم في عدم تحمل مسؤولية إقناع كل طرف بوجهة نظر الآخَر.

عندما أُجهضت فكرةُ لقاء النواب المسيحيين، دار نقاشٌ في مجلس المطارنة حول السبل الآيلة إلى إطلاق دينامية حوار، وبدأ كل من المطارنة الأكثر اهتماماً بالشأن السياسي يطرحون أفكاراً للنقاش، مبدين رغبةً بالتواصل مع القوى السياسية من أجل محاولة التوصل الى قواسم مشتركة.

فَتَحَ الراعي المجال لكل مَن يرغب في المساعدة بإطلاق الحوار، فكان أن اقترح عددٌ من الاساقفة أفكاراً مختلفة من أجل تنشيط المبادرات والحوار تحت سقف ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية.

خلَف المطران بونجم المطران يوسف بشارة في إدارة أبرشية انطلياس، وهو مطران ناشط في كل ما له علاقة بالعمل الاجتماعي، وهي المبادرة السياسية الأولى التي يتولّاها، ولم يُعرف عنه انتماءٌ سياسي على عكْس غيره من المطارنة الذين بعضهم يوالي «التيار الوطني الحر» وبعضهم يوالي قوى 14 مارس بما كانت تمثل من حركة سياسية منذ عام 2005.

ولكن منذ مدة، يتلمس بو نجم غمار السياسة من خلال إطلالات إعلامية ويقف إلى جانب مواقف بكركي ويلتقي فاعليات سياسية.

تَحَرَّكَ بونجم في اتجاه إعادة التواصل مع القادة الأربعة وغيرهم، وبارَكَ الراعي مساعيه من دون أن يكون حاصراً مهمة التواصل به وحده، فيما ينشط مطارنة آخَرون بخطوط خلفيةٍ مع فاعليات سياسية وفي لقاءات مفتوحة.

لكن ما تَوَصَّلَ إليه بو نجم هو نفسه الذي توصل إليه الراعي، وهذا الأمرُ تَرَكَ صدى غير إيجابي لدى بعض الأساقفة الذين رأوا أن هذا الحِراك يكرّس مرة أخرى فشل بكركي ويعكس صورةً سلبيةً عن عدم قدرتها على إقناع الأقطاب الموارنة بالتوصل إلى إتمام الانتخابات الرئاسية، وخصوصاً أن التوقيت الذي تحرك فيه بو نجم ليس بعيداً عن الجولة الأخيرة للراعي مع القيادات نفسها.

فـ «القوات اللبنانية» (بقيادة سمير جعجع) أبلغتْ بونجم ما سبق أن قالته لبكركي أي أنها ترفض أي لقاء موسع ما لم يلتزم جميع المُشارِكين رأي الأكثرية المسيحية المُشارِكة في اللقاء، وهي ترفض انتخاب رئيس من قوى 8 مارس.

والشرط الأول يرفضه التيار الوطني الحر (برئاسة جبران باسيل) وتيار المردة (برئاسة سليمان فرنجية) اللذان يَعتبران أن المُشاركين المسيحيين لديهم الأكثرية لاختيار رئيسٍ من خارج التياريْن.

فرنجية أعلن من بكركي أنه مرشّح بطريقة غير مباشرة، وهو الأمر نفسه الذي كرره لمُراجِعيه وأنه ليس بوارد الانسحاب لأي مرشّح آخَر. أما باسيل، فيريد أن ينعقد الاجتماعُ المسيحي بأي ثمن، لأنه يعطيه غطاءً مسيحياً للفكرة التي يروّجها بضرورة سحب اسميْ فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون من المعادلة، ومن ثم الاتفاق على مواصفاتٍ رئاسية قبل الوصول الى اسم الرئيس.

وهذا الأمر ترفض «القوات» - حتى لو كانت مُعارِضة لفرنجية - أن تعطيه لباسيل لأنه بذلك يكرّس إعادة دوره على الساحة المسيحية.

أما الكتائب (برئاسة سامي الجميل) فلا تزال متمسّكة بترشيح المعارضة للنائب ميشال معوض، وهي إذ تلبّي دعوة بكركي لأيّ حوار، إلا أنها ترى أن لا فائدة مرجوّة ما دام الأطراف جميعهم على مواقفهم، مع إصرارِها على انتخاب رئيسٍ سيادي.

وقد أثارت المعلومات الأولية التي شاعت عن لقاءات المطران بونجم امتعاضاً لديه ما استدعى نفياً من المطرانية لِما تم تداوله حول النتائج السلبية للقاءات مع الإصرار على استكمال حلقة التشاور مع نواب مسيحيين ومرشّحين مفترَضين للرئاسة.

لكن الخلاصةَ الأولية بحسب ما بَلَغَ بكركي هي نفسها التي وصل إليها الراعي في حركته. وفي هذا الأمر نكسة مزدوجة: للمطران الناشط في السياسة حديثاً والساعي عن حُسن نية للتوصل إلى نتيجة مُرْضية، ولبكركي باعتبار أن أي فشل يرتدّ عليها حُكْماً.

Wednesday, March 01, 2023 - إقرأ الخبر من مصدره

تابعوا أخبارنا عبر خدمة : google-news

ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها

Copyright © 2023 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top