جلسة «حرتقات» في البرلمان اللبناني على وهج خلاف «حزب الله» - التيار الحر
الراي الكويتية
Thursday, April 21, 2022
لم تفاجئ الجلسةُ التي عَقَدَها البرلمانُ اللبناني أمس لانتخاب رئيسٍ للجمهورية التوقّعات، لا حيال الفشل المتكرّر في إنجاز «المهمة المستحيلة» حتى الساعة، ولا بإزاء إعطاء «التيار الوطني الحر» أول إشاراتِ التمايز الفعلي عن «حزب الله» في الملف الرئاسي عبر «هِجرةِ أصواتٍ» محسوبة بعيداً عن الورقة البيضاء ونحو «منطقة رمادية» على أبواب «فتْح الخيارات».
ونجح «جمرُ» الخلاف المُسْتَحْكمِ الذي خرَج من تحت رماد العلاقة المهتزّة بين «التيار الحر» برئاسة جبران باسيل وبين «حزب الله» على خلفيةٍ «أصلية» تتعلّق برفْض الأول السير بزعيم «المردة» سليمان فرنجية للرئاسة وإصراره على أن يسلّم الحزب بدوره
كـ «ممر إلزامي» في هذا الملف إن لم يكن هو الرئيس فكـ «صانِعٍ» له، في جعْل جلسةِ الانتخاب التاسعة للبرلمان تحجب «لهيب» الانهيار الدراماتيكي القياسي لليرة حيث تجاوز دولار بيروت أمس للمرة الأولى عتبة 42500 ليرة كاسراً حاجزاً نفسياً جديداً يُخشى معه ألا تكون عتبة الـ 45 ألفاً وربما الـ 50 بعيدة، ما لم تحصل صدمةٌ سياسية إيجابية سريعة أو يبادر مصرف لبنان إلى استخدام الأدوات القليلة التي ما زال يملكها لمعاودة ضخّ جرعة تخديرية تهدئ من روع السوق الموازية.
وإذ كانت الأسواقُ والأوساطُ الماليةُ تتهيّب التفلّتَ الكبيرَ لسعرِ الدولار الذي قَفَزَ بنحو ألف ليرة في 24 ساعة، وذلك فيما البلادُ تستعدّ لموسمِ الأعياد التي يخفت صوتُها خلف هدير الانهيار الكبير، مضتْ القوى السياسية في تعميق الحفرة التي يتخبّط فيها لبنان مع العقم المتمادي في جلسات «تكسير الرؤوس» وتحطيم الأرقام السلبية لبرلمانٍ يختلط فيه - وربما المرة المقبلة تحت قبّته - حابل الانتخابِ بنابل حوارٍ يُخشى أن «يغطّي» تعطيلاً يحتجب بالورقة البيضاء ثم بتطيير نصاب الدورة الثانية من كل جلسة من قبل «حزب الله» والتيار الحر وحلفائهما.
ومنذ انطلاق الجلسة، اتجهتْ الأنظار إلى السلوك الذي سيتبعه «التيار الحر» في أول انعقادٍ للبرلمان بعد «الصُداع» الذي أصاب علاقته بـ «حزب الله» وخرج الى العلن في أعقاب توفير الأخير «حماية» سياسية لالتئام حكومة تصريف الأعمال في أول جلسةٍ في زمن الشغور الرئاسي رغم مقاطعة التيار لها ومحاولته تعطيل نصابها بالثلث زائد واحد بوصفْها غير دستورية و«عملية سطو على صلاحيات الرئاسة الأولى».
وما زاد من «الإثارة» قبيل جلسة مجلس النواب «عدم تمرير» حزب الله الاتهامات التي ساقها باسيل وأوساطه بحقه، إذ لجأ إلى إصدار بيانٍ مدوْزن تضمّن رداً غير مسبوق تناولَ مقاربةَ التيار لخلفياتِ إطلاق يد ميقاتي في الدعوة لمجلس وزراءٍ بهيئة تصريف الأعمال باعتبار ذلك من باب الضغط على باسيل في الملف الرئاسي، والأهمّ أنه سعى إلى عدم ترْك أي «غبارٍ» على الصورة التي «راكَمَها» أمينه العام السيد حسن نصر الله تجاه الحلفاء كما «الأعداء» (اسرائيل) لجهة «إن وعد وفّى» وهو ما «طَعَنَ» به باسيل عبر إعلان أن الحزب نكث بوعده بأنَّ الحكومة المستقيلة لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على انعقادها.
وإذ نفى «حزب الله» أن يكون قدّم أي وعد بهذا المعنى «حتى يعتبر الوزير باسيل أن اجتماع الحكومة الذي حصل هو نكث بالوعد»، أوضح «ما قلناه إن حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا في حالات الضرورة والحاجة الملحّة، وفي حال اجتماعها فإن قراراتها ستؤخذ بإجماع مكوّناتها ولم نقل إن الحكومة لن تجتمع إلا بعد اتفاق مكوناتها»، مؤكداً «ان الحزب لم يقدّم وعداً للتيار بأنه لن يحضر جلسات طارئة للحكومة إذا غاب عنها وزراء التيار، ولذلك فإنَّ الصَّادقين لم ينكُثوا بوعدٍ وقد يكون التبسَ الأمر على الوزير باسيل فأخطأ عندما اتّهم الصَّادقين بما لم يرتكبوه».
كما أعلن «أن إعطاء مشاركتنا في الجلسة تفسيرات سياسية على سبيل المثال رسالة ساخنة في قضية انتخاب الرئيس، أو الضغط على طرف سياسي في الانتخابات الرئاسية، أو لَيّ ذراع لأحد، أو استهداف الدور المسيحي أو أو... كلّها أوهام في أوهام»، مشيراً إلى «أن مسارعة بعض أوساط التيار الى استخدام لغة التخوين والغدر والنكث خصوصاً بين الأصدقاء، هو تصرّف غير حكيم وغير لائق».
وفي حين بدا موقف «حزب الله» بمثابة «توبيخ» سياسي أضيف إلى ما اعتبره خصوم التيار انتكاسةً أصابتْه باجتماع الحكومة التي يطلّ رئيسها اليوم من الرياض حيث يحضر «القمة العربية الصينية» التي تستضيفها المملكة العربية السعودية، لم يتأخّر باسيل في توجيه رسالةٍ بقيت مع «قفازاتٍ» عبر البرلمان وفي حلبة الجلسة الرئاسية إذ تَقَصَّدت كتلته «تهشيم» بلوك الأوراق البيض الذي سجّل أدنى رقم وهو 39 والأهمّ أنها المرة الأولى تتساوى معها هذه الأوراق مع الأصوات التي نالها مرشح المعارضة ميشال معوض (من دون احتساب أصوات 6 نواب يدعمونه ولم يحضروا الجلسة).
و«نَزَح» نواب التيار في تصويتهم خلال الجلسة (حضرها 105 نواب) نحو أوراقٍ بدتْ «مرمّزة» وحملتْ اسم ميشال بلا العائلة (ورقتان) أو معوّض بلا الاسم (ورقة) أو ضومط بدري ضاهر (1) أو معوض بدري ضاهر (1)، أو بدري ضاهر (3 أصوات)، فيما حاز عصام خليفة (5 أصوات) و «لبنان الجديد» (9 اصوات)، و«لأجل لبنان» صوت واحد، وصلاح حنين الذي أعلن ترشحه (1)، وفوزي ابو ملهب (1)، والوزير السابق زياد بارود (1)، وصوت لنيلسون مانديلا.
وفيما انطبعت الجلسة أيضاً بحضور باسيل بعد انتهاء الاقتراع وقبل فرز الأصوات وباجتماعٍ «على الواقف» بينه وبعض نواب كتلته وبين النائبين من «حزب الله» علي عمار وحسن فضل الله، لم يكن ممكناً تَلَمُّس أفق التأزم التكتي بين الطرفين وسط اعتبار أوساط سياسية أن التيار تفادى «قطع الحبل» مع الحزب عبر التفرّد بتسمية مرشح، رغم الاقتناع بأن وراء هذا التريث في الأساس اعتبارات تتصل أيضاً بعدم «يأس» باسيل من إمكان توفير تقاطعات على اسمه، وأن محاولة الرئيس نبيه بري المتجددة لإحياء حوار حول الرئاسة قد تجنّب علاقة الحليفين (الحزب والتيار) تَصَدُّعاً من شأنه أن يصيب جسم الموالاة ككل وتالياً التوازن الهش في مجلس النواب.
وكان بري ختم جلسة أمس معلناً «الجلسة الاخيرة قبل آخر السنة الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الخميس المقبل، وآمل من الآن الى الخميس ان آخذ رأي الكتل جميعها في الحوار، وإذا حصل فسأحوّلها الى حوار، واذا لا فعندئذ نذهب الى آخر السنة».
وساد الالتباس حيال دعوة بري الى الحوار وآليته المفترضة بحال تم اتخاذ القرار بتحويل الجلسة المقبلة إلى حوارية، وسط رصد موقف الكتل المسيحية خصوصاً التي سبق أن رفضت عقد طاولة حوار رئاسية معتبرة أن آليات الانتخاب واضحة وتكون في البرلمان وفي جلسات مفتوحة متتالية إلى أن ينال مرشحٌ غالبية الثلثين في الدورة الأولى أو النصف زائد واحد في الدورات اللاحقة، وأن أي حوار يكون داخل المؤسسات وضمن صيغ يمكن الاتفاق عليها تحت سقف الانتخاب «الآن وليس غداً».
وذكرت تقارير أن بري سيقوم باتصالات مع الكتل النيابية للوقوف على رأيها من إمكان الحوار في شأن الاستحقاق الرئاسي، والاتفاق على شخصية مقبولة من الجميع وإذا لمس قبولاً للحوار فسيحوّل الجلسة الرئاسية المقبلة إلى حوارية وإلا تكون جلسة 15 الجاري هي الأخيرة قبل حلول 2023.
وحاذرت كتل مسيحية معارضة (القوات والكتائب) إعطاء موقف من دعوة بري بانتظار تبيان آليتها، وسط اعتبار أن جعْل بري البرلمان وربما قاعته العامة إطاراً للحوار قد يشكّل مدخلاً لفتْح هذا الباب الذي كان حتى الأمس القريب موصداً، ومن دون أن يعني ذلك تفاؤلاً بإتمام الاستحقاق الرئاسي في المدى المنظور في ضوء تعقيداته الإقليمية والمحلية.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها