«المنصة السويسرية» للحوار اللبناني أُحبِطت... «الطائف خط أحمر»
الراي الكويتية
Thursday, April 21, 2022
انشغل لبنان في الساعات الماضية بتداعياتِ الحوار الذي كانت تحضّر له السفارة السويسرية في بيروت، والذي أُجهض أو «أُحبط» قبل انطلاقه وتفكيك كامل «شيفرة» خلفياته.
لبنان سويسرا الشرق سابقاً، ترْبطه علاقة حوارية بسويسرا المعروفة بحيادها والراعية الدائمة لحواراتٍ دولية نال لبنان حصةً فيها حين انعقد مؤتمرا جنيف عام 1983 ولوزان 1984 في عهد الرئيس أمين الجميل، وضمّ الصف الأول من القيادات اللبنانية من مختلف الطوائف.
لكن منذ ذلك الوقت انحسر دورُها لمصلحة تَقَدُّم الرياض على متن اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية، ومن ثم باريس التي رعت حواراً عام 2007 في سان كلو فرنسا، واستمرّ حِراكها عبر مبادارتٍ كان آخِرها للرئيس إيمانويل ماكرون غداة انفجار المرفأ في أغسطس 2020، وقبْلها قطر التي رعت اتفاق الدوحة عام 2008 ما أسفر عن انتخاب الرئيس ميشال سليمان.
في الأسابيع الأخيرة، بدأ يتردّد أن سويسرا في صدد القيام بمبادرةٍ لجمْع الأطراف اللبنانيين لحوار جامعٍ يتزامن مع انتهاء عهد الرئيس ميشال عون (في 31 الجاري) وحصول الفراغ الرئاسي.
لم تكن الفكرةُ قد نضجت تماماً، بحسب مطلعين عليها وُضعوا في أجواء احتمال عقدها في جنيف أو بيروت من دون تحديد جدول أعمال واضح. لكن تباعاً بدأت تَظْهر بعض الأجواء السياسية لبنانياً حول احتمال أن تفتح الطاولة المستديرة البابَ أمام طرْح أفكار تغيريية للنظام اللبناني.
وبدأ الأمر يتخذ طابعاً جدياً وملموساً مع الإعلان عن عشاء يقام في السفارة السويسرية اليوم ودعي إليه ممثلون من الصف الثاني للقوى السياسية الرئيسية.
وتَبَيَّنَ لاحقاً أن الدعوة موجَّهة عبر «مركز الحوار الإنساني» ومقره جنيف ويعمل في لبنان منذ أعوام وهو منظمة غير حكومية مستقلة لكنها تعمل في مناطق النزاع بالتنسيق مع وزارة الخارجية السويسرية وتُعَرِّف في موقعها الإلكتروني عن مهماتها في منطقة الشرق الأوسط، وهي أشارت عن مهمتها في لبنان إلى إنشاء منصة حوارية مع قوى سياسية والمجتمع المدني ومحاربة الفساد.
كانت الدعوة التي أعلنت السفارة السويسرية أمس إرجاءها تهدف إلى جمْع ممثلين برلمانيين عبر لجنة الصداقة اللبنانية - السويسرية، لكن أثير لغط حول الدعوة ارتبطَ باحتمال طرْح موضوع التعديلات على اتفاق الطائف على فكرة الحوار من أجل مقاربةٍ جديدة للنظام اللبناني.
وسرعان ما اتخذ النقاشُ حول الدعوة أبعاداً رباعية:
•البُعد الأول شكّله إعلان السفير السعودي في بيروت وليد بخاري عبر موقع «تويتر»، أن «وثيقة الوفاق الوطني عقد ملزم لإرساء ركائز الكيان اللبناني التعددي، والبديل عنه لن يكون ميثاقاً آخَر بل تفكيكاً لعقد العيش المُشتركِ، وزوال الوطن الموحّد، واستبداله بكيانات لا تشبه لبنان الرسالة».
الأمر الذي عزّز التكهنات بإمكان طرح أفكار تغييرية للنظام، عبر حوار سويسرا، لاسيما أن الرياض لا تنفكّ منذ مدة، وكما جرى عبر البيان الثلاثي الأميركي – السعودي – الفرنسي الذي صدر في نيويورك -تُعْلي الصوتَ بالدعوة إلى التمسك باتفاق الطائف.
ولم يكن عابراً أن موضوع الطائف شكّل عنواناً رئيسياً للزيارتين اللتين قام بهما بخاري أمس لكل من عون ورئيس البرلمان نبيه بري، حيث أكد السفير السعودي خلال لقائه مع رئيس الجمهورية، والذي تخلله عرض «العلاقات اللبنانية-السعودية وسُبل تطويرها في المجالات كافة»، حرْص المملكة «على وحدة لبنان وشعبه وعمقه العربي انطلاقاً من المبادئ الوطنية الميثاقية التي وردت في اتفاق الطائف الذي شكل قاعدة أساسية حمت لبنان وأمّنت الاستقرار فيه، كما أكد أهمية إنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها»، لافتاً إلى أن عون شدد «على حرصه على تفعيل العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين».
ويُذكر أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كان شدد خلال أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى على «ضرورة تنفيذ إصلاحاتٍ سياسية واقتصادية هيكلية شاملة في لبنان تقود إلى تجاوز أزمته، وأهمية بسط سلطة حكومته على جميع الأراضي اللبنانية لضبط أمنه والتصدي لعمليات تهريب المخدرات والأنشطة الإرهابية التي تنطلق منها مهددة لأمن المنطقة واستقرارها».
•والبُعد الثاني مثّله إعلان حزب «القوات اللبنانية» اعتذار نائبه ملحم رياشي الذي كان سيحضر العشاء الى جانب النواب علي فياض عن «حزب الله» وعلي حمدان مستشار الرئيس نبيه بري والنائب وائل أبوفاعور عن الحزب التقدمي الاشتراكي، وآلان عون عن التيار الوطني الحر، وإبراهيم منمينة عن القوى التغييرية.
وأعلن رياشي في اعتذاره عن العشاء انه «أسيء فهمه وحُمِّل أكثر من حجمه»، فيما ذكرت مصادر «القوات» أن العشاء كان انطلق عبر جمعية حوارية وحين اتضحت أبعاده وتوقيته بدا أن الأنسب الانسحاب منه.
وكانت الدائرة الإعلامية في «القوات اللبنانية» أوضحت أنه بعدما تحوّلت مقاربة لقاء العشاء في السفارة السويسرية من مناسبة «محض اجتماعية» إلى «طاولة حوار يتمّ التحضير لها داخل البلاد أو خارجها في هذا الظرف بالذات، طلبت«القوات»من النائب رياشي الاعتذار عن عدم المشاركة»، معتبرة «أن البلاد بحاجة إلى انتخابات رئاسية تعيد الاعتبار لدور المؤسسات الدستورية تحت سقف الدستور وتعيد تصحيح الانقلاب على اتفاق الطائف وليس إلى حوارات عقيمة لا تؤدي إلى أي نتيجة»، مع التشديد على وجوب ألا يأتي أي حوار «من أجل القفز فوق استحقاق بأهمية الاستحقاق الرئاسي»، وعلى ضرورة أن يسبقه «ورقة عمل تلتزم بالدستور واتفاق الطائف والمرجعيات الدولية والعربية والثوابت اللبنانية ليجري الحوار على أساسها».
•والبُعد الثالث عبّر عنه موقف القوى التغييرية، بعد بيان النائب وضاح الصادق الذي أكّد تمسكه باتفاق الطائف كمرجعيةٍ رافضاً لقاءات السفارات ومشاركة منيمنة في العشاء ممثلاً للقوى التغييرية.
وهذا من شأنه أن ينعكس على علاقة النواب التغييريين بعد سلسلة نقاشات في داخلهم حول الموقف من اتفاق الطائف والعلاقة مع حزب الله.
•أما البُعد الرابع فتجلى في البيان الذي صدر أمس عن السفارة السويسرية وحسم أن ما كان يجري الإعداد له هو مناقشات تشاورية جرى التواصل في شأنها مع جميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية «في ظل احترام تام لاتفاق الطائف والدستور اللبناني»، موضحاً أن «العشاء غير الرسمي الذي كان من المفترض أن يُقام الثلاثاء في منزل السفيرة السويسرية، يهدفُ إلى تعزيز تبادل الأفكار بين مختلف الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية».
وجاء في البيان: «أن سويسرا تعمل بنشاطٍ في لبنان منذ سنوات عديدة، بما في ذلك في مجال منع نشوب النزاعات وتعزيز السلام.
وخلال الشهرين الماضيين، وبالتعاون مع منظمة مركز الحوار الإنساني التي تتخذ سويسرا مقراً لها، تواصلت سويسرا مع جميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية للتحضير لمناقشات تشاورية وليس مؤتمر حوار».
وأضاف: «من التقاليد السويسرية بذل مساع حميدة عندما يُطلب منها ذلك.
وتأتي هذه المناقشات المزمع عقدها نتيجة مشاورات سابقة مع جميع الأطياف السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية، في ظل احترام تام لاتفاق الطائف والدستور اللبناني».
وتابع: «العشاء غير الرسمي الذي كان من المفترض أن يُقام هذا الثلاثاء في منزل السفيرة السويسرية، يهدفُ إلى تعزيز تبادل الأفكار بين مختلف الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية».
وأردف: «الأسماء المتداولة في وسائل الإعلام لا تشمل أسماء المدعوين فعلياً، مع هذا، فقد جرى تأجيل العشاء إلى موعدٍ لاحق».
وفي أي حال، لا شك في أن ما حصل يشكّل خيبةً ونكسة ديبلوماسية للسفيرة السويسرية في لبنان ماريون ويشلت التي تنشط على خط العلاقات الداخلية مع جميع القوى السياسية بما فيها «حزب الله»، كما أنها تنشط على خط تعزيز مبادرات المجتمع المدني والقوى التغييرية.
علماً أن السفيرة السويسرية السابقة مونيكا شموتز كيرغوتسكد عرفت بمواقفها الحادة وهي أعلنت يوم اغتيال المفكر لقمان سليم أن بلادها فقدت صديقاً وطالبت بتحقيق العدالة له.
وبمعزل عن هذه الجزئية فإن مآلَ الحركة السويسرية وفرْملتها بالحد الأدنى، أفضى بحسب أطراف كانوا مدعوين إلى عشاء الثلاثاء، وهم من مؤيدي اتفاق الطائف إلى وضع خط أحمر أمام الحوار المفترَض وترسيمٍ واضح لعناوينه كما لأي نقاشات لاحقة، وذلك انطلاقاً من الزوبعة الدفاعية التي برزت عن الطائف، وهو ما سيعيد أي حوار سويسري أو غيره إلى نقطةٍ مفصلية وهي التمسك بالشرعية الدولية واتفاق الطائف كما نص عليه البيان الثلاثي الأميركي - السعودي - الفرنسي.
كما أفضى إحباطُ اندفاعة «جس النبض» وربما أكثر السويسرية إلى تأكيد الحاجة لإحاطةٍ شاملة أكثر في المؤتمرات الحوارية، خصوصاً أن توقيت الدعوات الحوارية مرتبط بالفراغ الرئاسي الذي يطل برأسه في 1 نوفمبر، مع ما يمكن أن يتركه ذلك من علامات استفهامٍ، رغم كل النيات الطيبة التي تُبْديها سويسرا وغيرها تجاه لبنان وهي التي عُرفت بتقديمها مساعدات كثيرة في كل المجالات الإنسانية لاسيما بعد «بيروتشيما».