العِلم في لبنان.. من تحت «السدرة» إلى طاولة السفرة
انديرا مطر - القبس
Thursday, April 21, 2022
حول طاولة الطعام داخل منزلها في قريتها جنوبي لبنان، جمعت أستاذة اللغة الانكليزية، سوسن دياب، طلابها.

الدفاتر والكتب تغطي الطاولة بأكملها، التلامذة ينصتون باهتمام الى شرح استاذتهم كأنهم داخل المدرسة. وبحماسة لافتة لم تبددها الضغوط المعيشية، تواصل «المعلمة» سوسن كما ينادونها، شرح الدروس.

ويواصل اساتذة التعليم الرسمي في لبنان، وعددهم نحو 44 الفا، اضرابهم منذ شهرين مطالبين باعطائهم حقوقهم ومنها الحصول على بدل نقل عادل حيال ارتفاع سعر المحروقات، وبدل إنتاجية بالدولار، وآخر بالليرة اللبنانية، ويرفضون العودة عن اضرابهم قبل استيفاء مطالبهم التي وضعوها بمرمى الحكومة.

تحت السدرة

في زمن مضى، قبل أن توجد المدارس، عرف اللبنانيون مدرسة «تحت السدرة» أو تحت شجرة السنديان، «يوم كان الأستاذ يعلم تلامذته في القرية تحت الشجرة وهم يفترشون البسط». وفي الزمن اللبناني الصعب حوّلت سوسن، بمبادرة تنطوي على كثير من التضحية والحب، منزلها إلى مدرسة مؤقتة لتعويض طلابها ما فاتهم من دروسهم. فالعام الدراسي أشرف على نهايته والطلاب على موعد مع امتحانات رسمية ان حصلت «ويجب ألا يُحرم أحد من فرصة التعليم».

نسكافيه ومدفأة

لا تطمح سوسن من مبادرتها هذه الى تحقيق ربح مادي ولا منفعة شخصية. وفي ظل المعاناة المديدة التي يرزح تحتها اللبنانيون، لاسيما موظفي القطاع الرسمي الذين يتقاضون روابتهم بالليرة المتآكلة، قد يتبادر الى اذهان الكثيرين ما الذي يدفع موظفة في القطاع الرسمي الى مكابدة هذا الجهد الفردي وما يترتب عليه من أعباء مادية، في وقت بات اللبناني يتردد في طلب كأس ماء حين يكون في زيارة احدهم.

يقول احد الطلاب ان شيئا لم يتغير عن المدرسة من حيث الدروس والشرح، فالمعلمة هي نفسها هنا وهناك «الود نفسه والحماسة نفسها»، معربا بخجل عن تفضيله متابعة الدروس في منزل المعلمة «هنا نشرب النسكافيه ونتدفأ على المدفأة التي لم تنطفئ لحظة طيلة ايام العاصفة والصقيع الشديد». مع العلم بان سعر صفيحة المازوت تخطى المليون ونصف المليون ليرة بما يوازي نصف راتب الاستاذ.

خلال اقفال المدارس ابوابها لم تنقطع سوسن عن طلابها. أبقت على تواصلها معهم من خلال «قروب واتس اب» ترسل لهم دروسا واوراقا للمراجعة، وترد على اسئلتهم واستفساراتهم.

لاحقاً، ارتأت المعلمة ان تجمع الطلاب في منزلها. ساعدها في ذلك كون معظمهم من ابناء الضيعة ويمكنهم القدوم الى منزلها سيراً على الاقدام.

«غيرة إيجابية»

15 طالبا يجتمعون لمدة 3 ساعات اسبوعيا، في غرفة الطعام او في غرفة الجلوس، يغيرون ايقاع المنزل بحضورهم لكن المدرّسة التي تمارس مهنة التعليم منذ 22 سنة من دون انقطاع، تمرست على الصبر.

خطوة سوسن دفعت زميلاتها للاقتداء بها، تعتبر المسألة «غيرة ايجابية» تتمنى تعميمها لمن يستطيع في ظل استمرار الاضراب. «من حق الاساتذة العيش بكرامة ومن حق الطلاب ايضا عدم تفويت العام الدراسي».

وتشرح سوسن ان كل يوم عمل يكبد الاستاذ 500 الف ليرة بنزين مقابل 3 ساعات تدريس قيمتها 300 الف ليرة و«لذلك فضلوا البقاء في منزلهم وعدم فك الاضراب».

ومع انهيار الليرة اللبنانية باتت ساعة الاستاذ في المدرسة الرسمية توازي دولارا وربع الدولار (100 الف ليرة). وما يزيد الوضع سوءا على المتعاقدين انهم لا يتقاضون رواتبهم شهريا وانما كل بضعة اشهر، ما جعل قيمة رواتبهم تتآكل مع ارتفاع سعر صرف الدولار: «في بداية العام كان سعر صرف الدولار 30 الف ليرة وحين تقاضينا رواتبنا قبل ايام كان تخطى الـ80 الفا»، تقول سوسن.

بدل 5 ليترات بنزين!

حتّى الساعة، لا مؤشّرات جدية لعودة قريبة للمدارس الرسمية إلى التعليم، لكن الأمر يتوقف عند قرارات الحكومة الأسبوع المقبل التي قد تقر بدل نقل يوازي خمسة ليترات بنزين عن كل يوم عمل، بعدما تم التوافق عليه بين رئيس الحكومة ووزير التربية. بالاضافة الى امكانية اعطاء المعلمين جزءا من رواتبهم بالدولار (300 دولار عن ثلاثة أشهر سابقة و125 دولاراً شهرياً للأشهر الأربعة المقبلة).

500 ألف طفل خارج المدارس

قبل أيام، حذرت ممثلة اليونيسيف بلبنان إيتي هيغنز من تداعيات بقاء نحو 500 ألف طفل خارج المدارس، وأكدت ضرورة حصول الأساتذة على رواتب تمكنهم من تلبية احتياجاتهم. وتحدثت عن حوالي 24 مليون دولار ستصرف مباشرة للمدارس الرسمية، عبر شركة رقابة لتتبع آلية صرفها.   

صراعات السلطة تتواصل

مع دخول الأزمة الاقتصادية في لبنان عامها الرابع تتبدى تداعيات الانهيار في كل القطاعات الحيوية والأساسية. الأفق السياسي مسدود والواقع الاقتصادي ينهار يوما بعد يوم. الاتحاد العمالي يحذر ويهدد بالاضراب الشامل. إضراب الاساتذة في التعليم الرسمي متواصل. والمصارف مستمرة في اقفال ابوابها وتطالب «القضاء النزيه والعادل» بتحمل مسؤولياته والتنبه للخطر المحدق بالمصارف.

آخر عناوين الأزمة القضائية- المالية، ادعاء القاضي رجا حاموش على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، وكل من يظهره التحقيق بجرائم تبييض أموال واختلاس وتهرب ضريبي وتزوير.
وأحال الملف مع المدعى عليهم على قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، طالبا استجوابهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم. وتعليقا على ذلك جدد سلامة القول إنه «بريء».

الادعاء على سلامة اتى غداة توجيه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كتابا إلى وزير الداخلية يطلب فيه الإيعاز للقوى الأمنية بعدم الامتثال لأوامر القاضية غادة عون في شكوى مرفوعة ضدّ مجموعة من المصارف. لترد عون بأنها ستتعاطى مع القرار الصادر عن وزير الداخلية كأنه لم يكن، كونه صادرا عن مرجع غير مختص سندا للاصول الجزائية.

Saturday, February 25, 2023 - إقرأ الخبر من مصدره

تابعوا أخبارنا عبر خدمة : google-news

ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها

Copyright © 2023 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top