365 يوما أقوياء ... الجالية الأوكرانية في لبنان ليست بعيدة عن الجبهة
أسرار شبارو - الحرة
Thursday, April 21, 2022
"سنة من الدمار والدم والألم، لكن في المقابل سنة من القوة والصمود والأمل"... بهذه الكلمات يختصر الأوكرانيون المقيمون في لبنان ما مرّ على بلادهم منذ الغزو الروسي، مؤكدين ألا تراجع ولا استسلام قبل تحرير أرضهم وانتزاع استقلالهم وحريتهم.
أفشل الأوكرانيون مخطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وطالت الحرب التي أرادها خاطفة بعد أن شنها في 24 فبراير 2022، ما دفعه إلى الاستشراس وتحويل هجومه الى حرب مدمّرة، في وقت لا أحد يمكنه التكهّن متى وكيف ستكون نهاية الغزو، وإن كان الأوكرانيون على ثقة بأنهم سيعلنون يوماً ما انتصارهم لأن قضيتهم محقة، بحسب ما تشدد عليه رئيسة جمعية الجالية الأوكرانية في لبنان، ايرينا فيسوتا.
بدايات الحرب كانت صعبة على جميع الأوكرانيين كما تقول فيسوتا لموقع "الحرة"، "لا سيما على الذين يعيشون خارج وطنهم، حيث سقط خبر الغزو الروسي كالصاعقة عليهم خوفاً على أهلهم وأقاربهم، رغم أن بعض الأوكرانيين كانوا متحضرين نفسياً لهذا العدوان، فوالدتي على سبيل المثال كانت دائما تتحدث عن احتمال حدوثه، في حين كنت أستبعد ذلك، معتبرة ان الحرب ليست بمصلحة بوتين".
أول ما فكرت به فيسوتا وأبناء الجالية الأوكرانية في لبنان بعد وصول خبر بدء العدوان على أرضهم هو العودة إلى وطنهم والمشاركة بالدفاع عنه بمختلف الطرق، وتقول "درسنا كيفية العودة إلى أن قررنا في النهاية الوقوف إلى جانب شعبنا وإن كان عن بعد، من خلال إمداده بالمساعدات التي نجمعها أو من خلال الاعتصامات والتحركات التي نقوم بها لإيصال صرختنا إلى مختلف دول العالم".
بعض الأوكرانيين المقيمين في لبنان، لم يترددوا لحظة في اتخاذ قرار العودة إلى وطنهم منذ وصول خبر بدء التحرك الروسي نحو أراضيهم، سارعوا إلى حجز تذاكر السفر وانطلقوا ليكونوا إلى جانب أهالهم في هذه الأيام الصعبة، منهم الرسامة نتاليا دزياديك وزوجها طوني حبيب اللذين نقلا لموقع "الحرة" الصورة من بلد يعيش تحت قصف همجي من دون أن يؤثر ذلك على معنويات شعبه التي ترتفع يومياً مع كل لحظة صمود ومقاومة.
مشاهد تفطر القلوب
سببان دفعا نتالي وزوجها للعودة إلى أوكرانيا بعد 26 سنة من إقامتها في لبنان، أولهما كما تشرح "خوفي على والديّ الطاعنين في السن حيث رفضا مغادرة الوطن، وثانياً لكي يدعم طوني قضيتنا عن قرب بكل الوسائل المتاحة، والأمر لا يقتصر علينا، فشقيقتي التي كانت تقيم في ألمانيا اتخذت ذات الخطوة وعادت إلى وطننا بعد انطلاق الحرب".
وتضيف "منذ ثمانية أشهر ونحن نعيش تحت القصف، تأقلمنا مع الوضع، لسنا خائفين لكن في ذات الوقت لسنا مرتاحين، نبقى في منازلنا إلى حين وصول رسالة عبر هواتفنا بضرورة قصد الملاجئ كوننا سنتعرض لقصف جوي، وبعد التقنين الكهربائي الذي طال المدن الأوكرانية، عادت التغذية بالتيار الى طبيعتها منذ أسبوع، كما أن المواد الغذائية أصبحت مؤمنة من خبز وحليب ولحوم، وأيا يكن الوضع لن نترك بلدنا للغزاة، وكل معارفنا من عمر 18 إلى 65 انضموا للجيش، فهذا هو الطريق الوحيد للحرية والاستقلال".
أما فيسوتا فتقول "بعد مرور سنة على الغزو الروسي، أصبحت أوكرانيا رمزاً للحرية وحقوق الإنسان والحضارة، واكتشف العالم مدى أهمية هذا البلد وغناه على صعد عدة، لاسيما على صعيد الأمن الغذائي، نتيجة الكميات الضخمة التي ينتجها من القمح والزيوت، إضافة الى ما يصدّره من حديد وأخشاب وغيرها من المواد".
الحرب الروسية على أوكرانيا لم تبدأ منذ سنة كما تشدد فيسوتا "بل منذ عام 2014 حين احتل بوتين القرم وعدة بلدات شرقي البلاد، إلا إنها كانت محصورة حينها في مناطق محددة، وهو ما دفع الجيش الأوكراني إلى تطوير نفسه بالعتيد والعتاد مدعوماً من الشعب، لكنه لم يصل إلى مستوى يمكّنه من صدّ هجوم روسي على كامل حدوده".
ضرب بوتين معاهدة بودابست بعرض الحائط، بحسب رئيسة الجالية الأوكرانية. وتشرح "هي المعاهدة التي تم توقيعها في العام 1994 بين الطرفين الأوكراني والروسي إضافة إلى أميركا وبريطانيا، والمتعلقة بنزع السلاح النووي الأوكراني شرط احترام استقلال بلدنا وحمايته من العدوان الخارجي وعدم توجيه عدوان عليه، لكن كشف الرئيس الروسي عن نواياه الخبيثة، ومنذ اليوم الأول لعدوانه الموسّع قصف كل المدن الأوكرانية، واضعاً هدفاً له إسقاط العاصمة كييف، لكن السلطة والجيش والشعب الأوكراني أفشلوا مخططه، ما دفع جيشه إلى ارتكاب أفظع المجازر".
"مشاهد الدمار والضحايا تفطر القلوب"، وبعد استبسال الأوكرانيين في الدفاع عن أرضهم وعرضهم أثبتوا لدول الغرب بحسب فيسوتا أنهم "شعب يستحق الدعم، فبدأت المساعدات بالتدفق اليه سواء الإنسانية أو العسكرية".
وأمس الاثنين وصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى كييف، في زيارة استمرت ساعات، وعد خلاله في مؤتمر صحفي مع نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، بتقديم مساعدة إضافية بقيمة 500 مليون دولار، تشمل ذخائر وأسلحة، وقال إن عقوبات جديدة ستفرض على موسكو في وقت لاحق هذا الأسبوع، من جهته، أشاد الرئيس الأوكراني بالزيارة، معتبرا أنها "علامة دعم مهمة للغاية".
وكتب بايدن في تغريدة "مع اقترابنا من الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا، أنا في كييف اليوم (الاثنين) للقاء الرئيس زيلنسكي وإعادة تأكيد التزامنا الراسخ بديمقراطية أوكرانيا وسيادتها وسلامة أراضيها".
رسالة بحبر الدم
خطف العدوان الروسي عدداً من أقارب ارينا كليمنكو، وبعد مرور سنة لا تزال تعيش في حالة رعب على أهلها وبلدها، تتابع أخبار الحرب الدائرة لحظة بلحظة عبر يوتيوب وتلغرام، تتواصل يومياً مع جميع معارفها للاطمئنان عنهم، وتقول "انتظر ساعات التغذية الكهربائية لديهم لكي أتمكن من الاتصال بهم".
بكلمات ممزوجة بالدموع تحدثت كليمنكو لموقع "الحرة" عن ذهولها من اندلاع الحرب في وطنها، وتقول "فهذا ما لم أكن أتوقعه، إذ كيف لي استيعاب أن بلداً آمناً يقصف ويقتل شعبه من قبل دولة تريد السيطرة على أراضيه، وما يثلج قلبي هو صمود أبناء بلدي في وجه الغزاة رغم قدرتهم العسكرية المحدودة، ومن المؤكد أنهم سيستمرون بالمقاومة حتى تحرير آخر شبر من أراضينا".
منذ عام 1993 تعيش ابنة بلدة سومي في لبنان بعدما تزوجت من لبناني رزقت منه بابنين، وتقول "لدي ابن طبيب يعمل في الجامعة الأميركية في بيروت، وابنة طالبة طب في جامعة البلمند"، مضيفة "قبل شهرين من اندلاع الحرب زرت بلدي، واليوم أعمل مع أبناء جاليتي على لإرسال المساعدات لشعبنا، رغم الصعوبات التي نواجهها على رأسها إغلاق المطارات، ما دفعنا للجوء إلى طرق أخرى منها طريق بولونيا، وذلك إلى حين انتهاء هذا الكابوس الذي اعتقد أنه لن يستغرق وقتاً وسيندحر العدو قريباً، فالحرب انهكته وكلفته باهظاً".
وتسببت الحرب في مقتل مئات الآلاف ونزوح وتهجير الملايين وتحويل مدن إلى أنقاض في مساحات شاسعة من جنوب وشرق أوكرانيا. وقال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الأحد، إن روسيا مُنيت بخسائر "فادحة بشكل غير معتاد" قرب بلدة فوليدار في منطقة دونباس الشرقية التي أعلنت موسكو ضمها في سبتمبر.
"هي سنة الدمار والموت والألم، ورغم ذلك يستمر الجيش والشعب الاوكراني بالمقاومة والدفاع عن الوطن، حيث يكتبان بالدم رسالة إلى العالم أجمع فحواها أن ثمن الحرية باهظ"، بحسب ما يقول الناشط في الجالية الأوكرانية يوسف طعمه (والدته أوكرانية) مضيفاً "بعد مرور كل هذه المدة تأقلمنا مع الوضع وتجاوزنا العقبات التي واجهناها في الفترة الأولى مثل الانقطاع التام للاتصالات، فعند انطلاق العدوان فشلنا في التواصل مع جدتي وخالتي وبقية أقاربنا لمدة ثلاثة أشهر، نتيجة قصف البنى التحتية لمدينة سومي حيث يسكنون، والتي سقطت منذ اليوم الأول ليعيد الجيش الأوكراني تحريرها".
لا يلغي التأقلم مع الوضع حالة التشنج التي تعيشها عائلة طعمه. ويشرح يوسف "نعيش حالة حزن كلما وصلنا خبر خسارة أحد من معارفنا أو فقدان الاتصال به لاسيما ممن يقاتلون في صفوف الجيش الذي يقوم بكل ما في وسعه لإفشال مخطط بوتين الهادف إلى تدمير كل ما يتعلق بالدولة الأوكرانية، من هنا اعتقد أن الحرب ستطول، فهذا الديكتاتور لا يختلف عن هتلر وستالين، أي انه يتّبع قاعدة أن الفشل يعني نهايته، بالتالي سيستمر في عدوانه، في حين أن الأوكرانيين لن يرفعوا الراية البيضاء وسيحاربون حتى الرمق الأخير".
يتأسف يوسف أن هناك من يجادل في أسباب الحرب، "رغم أنه من الواضح ان الصاروخ الأول الذي أعلن بداية القتال كان روسيا، ليتبعه انتهاك حدود البلد الديمقراطي المستقل منذ عام 1991، وكل ما يقوم به الجيش الأوكراني هو الدفاع عن حقوق شعبه وأرضه وحريته واستقلاله"، مشدداً " نحمد الله أن دول الغرب تدعم أوكرانيا، لاسيما أنها تعلم ان الدور سيأتي على بولونيا وغيرها من الدول التي تواجه هيمنة دولة كبرى فيما لو استطاع بوتين تحقيق أولى أهدافه، وإن كان ذلك مستحيلاً حيث أثبت التاريخ ان الانتصار دائماً للحق".
خلاف أبدي
"365 يوماً أقوياء" هو الشعار الذي اختارته الجالية الأوكرانية في لبنان للوقفة التي ستنفذها يوم الجمعة القادم في الذكرى السنوية الأولى للحرب على بلدها. اليوم يثبت الشعب الأوكراني كما يشدد حبيب "صلابة لا مثيل لها، وحب لأرضه تعجز الكلمات عن وصفه، 70% منه يرفضون مغادرة بلدهم، من بينهم 20% مضطرون على ذلك". ويشرح "أسكن في مدينة لفيف غرب أوكرانيا، وهي تضم الآن أكثر من مليون لاجئ من شرق البلاد، هم ينتظرون بفارغ الصبر العودة إلى مدنهم، كما فعل أبناء مدينة خيرسون الذين عادوا إليها من أوروبا بعد تحريرها رغم عدم توفر الكهرباء والمياه والبنى التحتية فيها، كذلك حال العاصمة فمن غادرها من سكانها بسبب القصف عاد إليها بعد أن أمّنها الجيش الأوكراني".
خلال عام سيطرت القوات الروسية على حوالي خمس الأراضي الأوكرانية حسب "فرانس برس"، وفشلت في تأمين الأراضي التي يهدف رئيسها إلى الاستيلاء عليها، ويقول حبيب "لن يتوقف العدوان الروسي إذا نجح في تحقيق هدفه في أوكرانيا، بل سيكمل الزحف لاحتلال دول أوروبية كما فعل هتلر عندما نجح في احتلال بولونيا".
بعد العدوان وأنهار الدم والدمار التي تسبب بها، لن يسامح الأوكرانيون كما تشدد فيسوتا الشعب الروسي "الذي توقعنا منه أن يثور على رئيسه الإرهابي الذي يقتل الأطفال والعجز، يقصف ويدمر المباني والمدارس والبنى التحتية، وبدلاً من ذلك صدمنا بأنهم بعيدين كل البعد عن الإنسانية، يدعمون جرائمه ويتهموننا بالنازية". وتضيف "الألم كبير جداً، يومياً أتواصل مع والديّ اللذين يسكنان في ضواحي كييف رافضين المغادرة، ومع شقيقتي التي تسكن في العاصمة، وابنها الوحيد وهو طبيب انضم إلى الجيش الأوكراني لعلاج المصابين".
وفرّقت الحرب بين كليمنكو وشقيقتها المتزوجة من ضابط روسي متقاعد حيث تقيم في سيبيريا، وتقول "لا يمكنني أن أتقبل مشاركة زوجها في قتلنا، رغم أنها لم تصدق حين أطلعتها في اليوم التالي للحرب بأن الروس شنوا حرباً علينا وغزوا بلدتنا بالدبابات مرتكبين جرائم بحق شعبنا".
كذلك تشدد نتاليا على أن "80% من الشعب الأوكراني يعتبرون أن الشعب الروسي غير إنساني، وبأن لا صداقة تجمع الطرفين، فأنا مثلا ساعدت ما يزيد عن الثلاثين روسياً في لبنان للدخول إلى الجامعة وتعلم الفنون، ومع هذا لم أتلق اتصالاً من أحدهم للاطمئنان عني وعن أهلي"، لافتة إلى أنها تشتاق جداً للعودة إلى لبنان الذي تعتبره وطنها الثاني.
أما رئيسة الجالية الأوكرانية التي تسكن في لبنان منذ 23 سنة ولديها خمسة أبناء، فتشتاق كثيراً إلى بلدها الذي كانت زيارتها الأخيرة له في العام 2021، وتقول "أحلم بيوم تحريره والعودة إليه، فنحن لم نتعدِ على أي دولة ولم نختار الحرب، كل ما نريده الحفاظ على أرضنا والعيش فيها بكرامة وأن نضمن مستقبل خال من الخوف لأجيالنا القادمة".
وتوجهت إلى الشعوب العربية طالبة منهم مساعدة أوكرانيا في أي مجال يستطيعون، "تماماً كما فعل وطني عند انفجار مرفأ بيروت حيث وقف إلى جانب الشعب اللبناني في أحلك الظروف". وختمت قائلة "صلوا لنا، وأنا على يقين أن الله معنا كوننا على حق".
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها