في لبنان : نامت الدولة ... فاستفاق الأمن الذاتي
أنديرا مطر - القبس
Thursday, April 21, 2022
قبل غروب الشمس، تبدأ ياسمين بتوضيب صناديق الخضار الممتدة على الرصيف لادخالها إلى داخل بقالة تملكها في حي «كرم الزيتون» الشعبي في منطقة الاشرفية بالعاصمة اللبنانية بيروت، تغلق الباب الجرار الحديدي وتؤوي إلى منزلها الواقع على بعد أمتار قليلة، قبل حلول الظلام.

ومنذ اسابيع قليلة، بدأت ياسمين (66 عاما)، أرملة وأم لثلاثة شبان، بتقليص مكوثها في البقالة. فمع حلول ساعات المساء يتحول الشارع الى منطقة أشباح، ظلام دامس، وعدد قليل من العابرين، معظمهم من «الغرباء» عن الحي الذي حفظت وجوه أبنائه وأهله وتستطيع تمييزهم حتى في الظلام.

عمليات السطو والسرقة المنتشرة في كل ارجاء لبنان ترعب السيدة التي تعيش وحيدة في منزلها، في مبنى قديم، بعدما توزع أبناؤها الثلاثة في بلدان الاغتراب، اثنان منهما بهدف العمل والآخر بقصد اكمال دراسته في احدى جامعات فرنسا.

تذكر انها في سنوات الحرب الأهلية وما بعدها لم تعش خوفا كهذا، كانت احيانا تداوم في البقالة حتى منتصف الليل لأن أهل الحي اعتادوا على السهر، مدركين ان باستطاعتهم طلب ما يشاؤون من المأكل والشراب حتى في ساعة متأخرة من الليل.

وخلال السنتين الأخيرتين كانت السيدة الكهلة تتقصد البقاء لوقت طويل في محلها «ليس بهدف التكسب المادي فقط وانما لتزجية الوقت مع بعض الزبائن في الدردشة والحديث عن أحوال البلاد.. اتقصد اضاعة الوقت في المحل عوض الجلوس وحيدة في المنزل اتأمل صور أبنائي واتحسر على رؤيتهم».

تزايد حوادث السرقة والسطو

لا يمر يوم من دون أن نسمع عن عملية سرقة او سطو في الأشرفية أو في المناطق المجاورة. يقول زبون دخل لشراء ربطة خبز وعلبة لبنة لعشاء أطفاله. «لكن ما حدث في شهر سبتمبر الماضي أقلقنا إلى درجة كبيرة»، كان يتحدث عن دخول مجهولين بقوّة السلاح إلى منزل أحد المواطنين في محلّة الأشرفية، حيث قاموا بتكبيل جميع الموجودين في المنزل وسرقوا من داخل خزنة حديدية مصاغاً ومجوهرات ومبلغاً مالياً، ولاذوا بالفرار إلى جهةٍ مجهولة.

وأثر انعدام الامن وتكرار حوادث السرقة والنشل والسطو، وبناء على تدخلات من المواطنين، بادرت جمعية الأشرفية 2020 (يشرف عليها نائب المنطقة نديم الجميل) للتعاقد مع شركة أمن خاصة وباشرت مهامها في حفظ الامن بدءاً من نوفمبر الحالي، حيث تم الاتفاق على توظيف 120 شاباً من الأشرفية للسهر على أمن السكان من الساعة 6 مساءً وحتى الساعة 6 صباحاً.

وهذه المجموعة التي اطلق عليها تسمية «عيون الاشرفية»، يتم تمويلها بدعم مالي من السكان والمؤسسات التجارية وسيغطون في غضون 100 يوم مناطق الاشرفية ومحيطها وقد تم تجهيز مركز اتصال متاح على مدار 24 ساعة.

الدفاع المشروع عن النفس

بدا ان انشاء مثل هذه المبادرات في زمن انهيار المؤسسات وتفككها، أمر طبيعي ويندرج في اطار الدفاع عن النفس المشروع. ورغم ان بعض الجهات الرسمية البيروتية تخوفت من الخطوة باعتبار انها تمهد لقيام كل منطقة في بيروت بتأمين أمنها الذاتي، غير ان تسريبات عن جهات أمنية رسمية أرادت تبديد هذه المخاوف، مشيرة الى أن شباب «عيون الأشرفية»، أي مجموعة شباب الحرس الليلي في عدد من الأحياء المظلمة وغير المضاءة، منظمون بطريقة مدنية راقية، وهم غير مسلحين وانما يعتمدون على مصابيح ليلية وعصي للحراسة، وأن هؤلاء الشباب يجوبون الشوارع من السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً، ويتواصلون مع الأجهزة الأمنية من مخابرات جيش وقوى أمن داخلي، عند الاشتباه بأي تحرك غريب أو أي سرقة وخاصةً للسيارات وكابلات الكهرباء.

المخاطر.. وضرورة التأمين

أحد مخاتير الاشرفية (تحفظ عن ذكر اسمه) ولدى سؤاله عن اصداء هذه المبادرة على الارض، قال لـ القبس ان المبادرة جيدة وأصداءها في الشارع إيجابية حتى الآن، موضحاً أن الحراسة لا تغطي كل منطقة الأشرفية وهي تقتصر على بضعة أحياء، مثل شارع عبد الوهاب الانكليزي ومنطقة السوديكو المتاخمتين للشطر الغربي من العاصمة. وسأل المختار: ماذا عن منطقة «مار مخايل»، حيث المقاهي وأماكن السهر الليلية التي تستقطب عشرات العاملين كـ «فاليه باركينغ»، الغرباء بمعظمهم عن المنطقة؟

ولفت المختار الى مشكلة أخرى ينبغي على القيمين على الجمعية معالجته، وهو توفير التأمين الصحي لهؤلاء الشبان الذين يتقاضون مبلغا يتراوح من 200 الى 400 دولار حسب ساعات عملهم. وسأل: ماذا لو تعرض احد هؤلاء الشبان الى ضربة سكين او اعتداء من أي معتد او سارق؟ من يؤمن له الطبابة والاستشفاء؟ ومن يحميه قانونياً في حال تسبب هو بأي أذى للسارق او المعتدي؟

ليست «أمناً ذاتياً» بمفهوم الحرب الأهلية

وفي تصريح سابق اشار النائب نديم الجميل الى ان مبادرة «عيون الاشرفية» أخذت على عاتقها معالجة المشاكل واعادة الاطمئنان إلى نفوس أهالي الأشرفية وتحسين نمط عيشهم في ظل تقصير الدولة في تأمين الامور الأساسية. وهذه المبادرة اتت بالتنسيق مع مخابرات الجيش وقوى الامن ومخافر المنطقة.

ورفض الجميّل وصف المبادرة بالامن الذاتي بالمفهوم العسكري، وقال: «الأمن الذاتي يذكّر بفترة الحرب أما هذه المبادرة فهي لتأمين راحة البال للمواطنين، خصوصا أننا على تواصل وتنسيق دائم مع بلدية بيروت والاجهزة الأمنية، والشباب غير مسلحين إنما يحملون الاضواء الليلية والعصي الصغيرة»

Friday, November 25, 2022 - إقرأ الخبر من مصدره

إضغط هنا للانضمام الى قناة صدى الارز على Youtube

ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها

Copyright © 2022 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top