استدعاء 13 ناشطاً من أهالي ضحايا المرفأ في ظل سُخط على المنظومة القضائية والأمنية
سعد الياس - القدس العربي
Thursday, April 21, 2022
طغت التطورات المرتبطة بتوقيف الناشط وليم نون شقيق أحد ضحايا تفجير مرفأ بيروت وما رافقها من موجة غضب واحتجاجات الخلافات على المشهد الداخلي وحجبت على مدى يومين ما عداها من مستجدات متعلقة بجلسة مجلس الوزراء التي أخّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الدعوة إليها في انتظار ترقّب ردود الفعل وخصوصاً أن وزير الطاقة المختص بملف الكهرباء وليد فياض المحسوب على التيار الوطني الحر يمتنع عن المشاركة في الجلسة مع الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية السابق ميشال عون والتيار.
وجاءت عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من قضية توقيف نون ومن فشل النواب في انتخاب رئيس جمهورية ومن مخطط لخلق فراغ في المناصب المارونية عالية النبرة، بعد أن التقى وفداً من عائلات ضحايا تفجير مرفأ بيروت.
وقال الراعي أمام الوفد “لقد جاء توقيف عزيزنا وليم نون، المجروح في صميم قلبه بفقدان شقيقه الغالي بتفجير مرفأ بيروت، ليبيّن أن القضاء أصبح وسيلةً للانتقام والكيدية والحقد. وإن الأجهزة الأمنية تلبس ثوب الممارسة البوليسية: وليبين فلتان القضاء بحيث صار يحلو لأي قاضٍ أن يوقف أي شخص من دون التفكير بردّات الفعل وبالعدالة”
وأضاف متسائلاً “ألا يَخجلوا من أنفسِهم الذين أمروا باعتقالِ هذا الشاب المناضلِ وسجنِه غير عابئين بمآسيه ومآسي عائلته وكل أهالي ضحايا المرفأ، وغير مبالين بردة الشعب؟ ثم يستدعون مناضلَاً آخرَ بيتر بو صعب وهو شقيق شهيد آخَر”.
وتابع “هل يوجد في العدلية قضاةٌ مفصولون لمحاكمة أشقاء شهداء المرفأ وأهاليهم؟”، مقدراً “وقفة إخواننا السادة المطارنة وأبناءنا الكهنة والرهبان والسادة النوّاب والمواطنين، مستنكرين بتضامنهم هذه الممارسات المقيتة التي تقوّض أساسات السلام”.
طمس العدالة
وكانت عملية توقيف وليم نون ألقت الضوء على أن بعض القضاء متفرّغ لملاحقة أهالي ضحايا تفجير المرفأ وترهيبهم فيما التحقيق في المأساة متوقف منذ أكثر من سنة في محاولة لطمس الحقيقة والعدالة.
وقد ترك استدعاء 13 شخصاً من الأهالي إلى التحقيق في الساعات القليلة المقبلة سخطاً واستنكاراً في الشارع وفي المواقف السياسية لأنه يعبّر عن رعونة أمنية قضائية.
وفيما اشترط النائب العام الاستئنافي القاضي زاهر حمادة المحسوب على الثنائي الشيعي صدور بيان عن مجلس القضاء الأعلى ينحاز إليه قبل إعطاء إشارة بالإفراج عن وليم نون المحتجز لدى جهاز أمن الدولة بعدما خاطبه نون “روح بلّط البحر”، فقد لفت أن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود لم يعط موافقته على هذا البيان، وأوضح أن “أي بيان لم يصدر عن المجلس وفق الأصول القانونية المعتمدة، وما تمّ التداول به لم يُصَر إلى التوافق على مضمونه الذي كان ما زال قيد المناقشة”.
وكان البيان المشار المنسوب إلى مجلس القضاء الأعلى “استغرب واستنكر التدخل والتهجم على عمل القضاة، ومؤخراً، إجراءات النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، من مرجعيات يفترض بها احترام عمل القاضي الذي يحتكم إلى ضميره وعلمه القانوني”. “ورفض التعرض والتطاول من أي جهة كانت على القضاء وكرامة القضاة في معرض ممارسة واجباتهم كسلطة دستورية مستقلة”.
ورأى “أن الغاية التي يسعى إليها أحد المواطنين مهما كانت شريفة ومحقة لا تبرر الوسيلة غير المشروعة والمعاقب عليها قانوناً”، مشدداً على “أن القضاء لم يكن يوماً، ولن يكون مكسر عصا لأحد”.
ظاهرة بوليسية
أما نقابة المحامين فاتخذت موقفاً حاسماً بعد اجتماع مجلس النقابة برئاسة النقيب ناضر كسبار مما رافق توقيف نون من “أعمال شدّة وعنف وقسوة بحق مقامات ورجال دين ونواب والمحتجين”، مطالباً القيادات الأمنية بفتح “تحقيق فوري” لمعاقبة الفاعلين، ومحذّراً من “مغبة العودة إلى النظام البوليسي، وهو أمر ترفضه رفضاً قاطعاً نقابة المحامين في بيروت، المدافعة الدائمة عن الحريات العامة في لبنان”.
واعتبرت النقابة “أن الظاهرة التي حصلت غريبة عن التقاليد اللبنانية، والقيم التي قام عليها وطن الحريات وحقوق الإنسان، إذ وبدلاً من توفير العدالة، التي لا يزال قسم منها معتكفاً، والأمن والأمان والاطمئنان، نراهم يعاقبون الضحايا في قبورهم، وأهلهم في كراماتهم، والذين يطالبون بأقل حقوقهم ألا وهي كشف الحقيقة”.
وجاءت هذه المواقف غداة ربط القاضي حمادة الإفراج عن وليم نون بإحضار رفيقه بيتر بو صعب إلى جهاز أمن الدولة، ووصف النائب التغييري ملحم خلف الذي تضامن مع العديد من النواب مع نون وأهالي الضحايا ما يحصل بأنه “فخّ قضائي له وللمرة الأولى نشهد جهازين يحققان في نفس الموضوع”.
وبعد يوم ماراثوني من الاعتصامات والتلويح بالتصعيد وقطع الطرقات تمّ إخلاء سبيل وليم نون الذي تعهّد بعدم شتم القضاة وعدم التعرّض لقصر العدل، وقد توجّه نون إلى مقر فوج إطفاء بيروت ومن ثم إلى جبيل وبلدته مشمش حيث أقيمت احتفالات بالإفراج عنه.
وجاءت كل هذه التطورات تزامناً مع مباشرة الوفود القضائية الأوروبية تحقيقاتها في الملف المالي لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع عدم استبعاد أن يسأل المحققون الفرنسيون عن مصير التحقيق في ملف تفجير المرفأ خصوصاً أن بين الضحايا مَن يحمل الجنسية الفرنسية.
أين ميقاتي؟
وقد لفتت محطة MTV إلى أنه مع قدوم المحققين الأوروبيين “من الطبيعي أن تتوتر المنظومة وتفقد أعصابها وأن تفعل المستحيل لخربطة ما تبقى من انتظام عام في لبنان”، مضيفة “اللافت أن نجيب ميقاتي، وهو، مبدئياً، المسؤول السياسي الأول في البلاد نتيجة الشغور الرئاسي، غائب كلياً عن السمع، اذ لم يتجرأ على قول كلمة واحدة أو اتخاذ موقف واحد. لذلك أيها اللبنانيون، يؤسفنا أن نبلغكم أن رئيس حكومتكم مفقود منذ أربع وعشرين ساعة. فعلى كل من يعرف عنه شيئاً أن يتصل بوليم نون، أو بأحد أهالي ضحايا مرفأ بيروت!”.
وقد ردّ المكتب الإعلامي لميقاتي معتبراً أنه “في زمن الصخب السياسي والمزايدات المعروفة وتعميم نهج اللا منطق على كل المستويات، يعمد بعض الإعلام المر إلى استغلال دماء ضحايا انفجار مرفأ بيروت ومعاناة ذويهم لتوجيه سهامه البغيضة باتجاه دولة رئيس الحكومة، في سياق نهج ابتزازي رخيص، لم يعد خافياً على أحد، في انحطاط أخلاقي بعيد كل البعد عن المعايير الإعلامية وحرية الإعلام التي يقدرها دولة الرئيس ويحترمها”.
وقال المكتب الإعلامي “حتى لا تنطلي أكاذيب هذا الإعلام على أحد، ينبغي تذكير من خانته الذاكرة أو يسخّر ضميره لإطلاق الأكاذيب والشائعات، أن دولة الرئيس اجتمع أكثر من مرة مع ذوي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، ويعتبر قضيتهم قضية حق يجب أن تستكمل بالطرق القانونية المطلوبة لتصل إلى خواتيمها في إحقاق الحق والعدالة للجميع والاقتصاص من المسؤولين عن هذه الجريمة الخطيرة التي هزت وجدان الجميع. ولكن دولة الرئيس، الذي يحترم فصل السلطات والمؤسسات، واستقلالية القضاء، لن يسمح لنفسه أياً تكن الاعتبارات بالتدخل في أي أمر قضائي، وهو الذي قدّم نموذجاً شخصياً في الامتثال لسلطة القضاء، في زمن الفجور الإعلامي. أما في قضية توقيف السيد وليم نون، فإن دولة الرئيس أجرى الاتصالات اللازمة في حدود صلاحياته وقناعاته، بعيداً عن المزايدات الإعلامية البغيضة، وهذا الأمر يعلمه أصحاب الشأن حصراً”.
رئيس عينه شبعانة
وعلى الصعيد الرئاسي، طالب البطريرك الراعي المجلس النيابي والكتل النيابية “بالكفّ عن هدم البلاد والمؤسسات وعن إفقار المواطنين”، ودعاهم “لانتخاب رئيس للجمهورية وفقًا للدستور، رئيسٍ يسهر على الانتظام والخير العام والدستور، متجرّد من أية مصلحة شخصية أو فئوية، رئيسٍ عينه شبعانة، يأتي ليسخو في العطاء، لا ليأخذ”.
وقال “كم يؤسفنا أن المسؤولين عندنا لم يتعلموا شيئًا من جائحة كورونا، فظلوا ضحايا كورونا فسادهم وكبريائهم وأسر مصالحهم وحقدهم وسوء نواياهم ومرضهم التخريبي: فلا انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا صلاحيات كاملة لمجلس الوزراء، ولا من وضع حد للاضطراب القضائي والفلتان الأمني، وللتعديات على أملاك الغير، ولشح الطاقة. ومن المؤسف أيضًا بل والمخجل أن دولاً عربية وغربية تعقد لقاءات وتتشاور في كيف تساعد لبنان للنهوض بدءًا من انتخاب رئيسٍ للجمهورية فيما المجلس النيابي مقفل على التصويت، متلطياً وراء بدعة الاتفاق مسبقًا على شخص الرئيس، وهم بذلك يطعنون بالصميم نظامنا الديمقراطي البرلماني (مقدمة الدستور “ج”)، ويقلدون ذواتهم حق النقض. على هذا أو ذاك من الأشخاص”.
وأضاف الراعي: “فيا أيتها الجماعة السياسيةُ، أيَتها الأحزاب، أيَها النواب: لقد اسْتنفَدْتُم جميعَ الوسائلِ والمواقف والمناورات وتَباريتم في التحديات والسِجالات، ولم تتوصلوا إلى انتخاب رئيس تحدٍ ولا رئيس وفاق ولا أي رئيس. هذا يَعني أنّكم ما زِلتم في منطق التحدي. لا شعب لبنان ولا نحن نحتمل تحدياً إضافياً على صعيد الرئاسة ولا على غيرِ صعيد. حذارِ حذارِ: فجَوُّ المجتمعِ تَغيّر. النفوس تغلي وهي على أهبة الانتفاضة. لم يَصِل أيُّ شعب في العالم إلى هذا المستوى من الانهيار من دون أن ينتفض ويثور أكان في دولة ديمقراطية أم في دولة ديكتاتورية”.
المناصب المارونية
وتابع الراعي محذراً من استهداف المناصب المارونية وشغورها قائلاً “إن إطالةَ الشغورِ الرئاسي سَيَتبعُه بعد مدةٍ شغورٌ في كبرياتِ المؤسساتِ الوطنيِة الدستوريةِ والقضائية والمالية والعسكرية والديبلوماسية. منذ الآن نحذر من مخطط قيد التحضير، لخلق فراغٍ في المناصب المارونية والمسيحية. وما نُطالبه لطوائفنا نطالبه للطوائفِ الأخرى. لكنّنا نلاحظ تصويبًا على عدد من المناصبِ المارونية الأساسية ليَنتزعوها بالأمر الواقع، أو بفبركاتٍ قضائيّة، أو باجتهادات قانونية “غُبّ الطلب”، أو بتشويه سمُعةِ المسؤول. نحن لا ندافع عن أشخاص بل عن مؤسسات. لا يهمنا رئيسَ مجلس القضاء الأعلى بل القضاء، ولا يهمنا حاكم مصرف لبنان المركزي بل مصرف لبنانَ المركزي، ولا يهمنا أصحاب المصارف بل النظامَ المصرفي اللبناني وودائع الناس، ولا يهمنا تشريعَ الكابيتال كونترول بعدما فَقد مفعولَه، بل الحفاظَ على الاقتصاد الحر وحرية التبادل مع الخارج. لكن ما نرصده هو أن التركيز على الأشخاص يستهدف هدم المؤسسات التي يَقوم عليها النظام اللبناني وتطيير أموال المودِعين”.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها