تحوّلت أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان كرة تتقاذفها، خلال الوقت الضائع، قوى عربية وإقليمية ودولية. ليس لتلعب بها، وانما لتركنها جانبا بانتظار الظروف الملائمة. ذلك أن هذه الأزمة لم تصل إلى رتبة الأولوية القصوى، ولن تصل في المدى المنظور على الأقل. لا معطيات تستدعي من هذه القوى ذلك.
فالانهيار الاقتصادي صار واقعا وانتهى الأمر، واللبنانيون تعودوه ودجنوا أنفسهم على البقاء في جهنم.
كما أن الاستعصاء بين رفاق الصف الواحد هو السائد لجهة الاتفاق على رئيس للجمهورية من بينهم. ففي الفريق الذي يحمل شعار "السيادة" خلافات يمكن ان توصف بالسخيفة والمؤذية في آن، لأنها تحول تشكيل كتلة قوية تفرض نفسها وخياراتها على الندوة البرلمانية.
وفي الفريق الذي يحمل شعار "الممانعة والمقاومة" يغيب التماسك الذي لطالما سمح في الماضي القريب بفرض قرار واحد يرغم الآخرين، حتى لو كانوا أكثرية، على القبول به، وإن بقي ملتبسا إذا ما كان هذا الغياب مبرمجا في إطار توزيع الأدوار أو هو وليد صراع أجنحة يعجز الحاكم بأمره عن ضبطه من خلال ردع الطامحين إلى كرسي الرئاسة عن هذا الصراع.
بالتالي، ما يعرضه المسؤولون اللبنانيون من مهازل يكفي ليدفع القوى العربية ولإقليمية والدولية إلى تناول أزمة الفراغ الرئاسي على مستوى "متابعة التنسيق" في لقاءاتهم، ما يعني بصريح العبارة، أن سبل الحلول الجذرية لا تزال مؤجلة مع ازدحام قائمة الأولويات الدولية التي تفرض نفسها على هذه اللقاءات وعلى العالم بأسره.
ولا عجب!! فالموضوع اللبناني بات مملا ومستهلكا وخاليا من المفاجآت التي تقفز إلى واجهة الأحداث. وهو لم يعد يتجاوز جملة عمومية للتدليل على أنه ورد في مناقشات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء عرب، كما يفترض أن يرد مع محادثات ماكرون والرئيس الأميركي جو بايدن، بعد حوالي الأسبوعين.
لا مبادرات أبعد من هذا الحد. ولا توقعات مرتفعة السقوف.
وفي حين يحاول بعض المسؤولين اللبنانيين استعطاف المجتمعين العربي والدولي لدعم لبنان، يقتصر الجواب على عنوان واحد، وهو دعوة هؤلاء إلى المباشرة بوضع برنامج الإصلاحات وتنفيذه، والمبادرة بالإيعاز إلى ممثليهم في مجلس النواب بتأدية واجباتهم الدستورية وانتخاب رئيس للجمهورية وفق الأسس الدستورية.
بمعنى آخر، إذا لم يساعد المسؤولون اللبنانيون أنفسهم، لا أحد سيساعدهم. وقبل إجراء إصلاحات تضع حدا لفسادهم ومحاصصتهم وسرقتهم المال العام، لا تدخل ولا قروض ولا هبات ولا تعاون من منظمات دولية، ولا أبواب مفتوحة لهم في دول القرار.
لا شيء يدعو إلى العجلة أو حتى إلى الاهتمام. والأمر طبيعي. لكن ما ليس طبيعيا هو الإصرار على التذاكي، الذي يرتبط ارتباطا عضويا بالتعطيل بغية الحصول على مكاسب. وعدة الشغل للمتذاكين مقابل التراجع عن التعطيل، قوامها الترويج إعلاميا لأدوار وهمية واقتراحات لإنهاء أزمة الفراغ الرئاسي من خلال سلة متكاملة تتضمن، بالإضافة إلى اسم رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة والوزراء وتوزيع الحقائب وفق المحاصصة المعهودة، وملء المناصب الأساسية، ان لحاكمية مصرف لبنان، أو لقيادة الجيش.. أو.. أو، مع حصة وازنة للمعطل المحترم.
وينسى المتذاكون أن الصفقة ليست حلا، والترويج لدور غير موجود او حتى غير مطلوب حبله قصير بعد سهولة الوصول إلى المعلومات بكبسة زر.. لذا يأتي التوضيح من القوى العربية والدولية بالإصرار على الإصلاحات وليس على السلة.
أما بورصة الأسماء لمرشحين جديين ولآخرين غير جديين، فلا وظيفة لها إلا اللعب في الوقت الضائع من دون تسجيل أهداف.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها