تخزين الخلايا الجذعية من الحبل السري قد ينقذ حياة كثيرين
كاين اليان ضاهر - اندبندنت عربية
Thursday, April 21, 2022
العلاج بالخلايا الجذعية من المجالات الواعدة التي يعول عليها العلماء لمواجهة الأمراض في المستقبل، وتخزين الخلايا الجذعية من "الحبل السري" تقنية تحمل معها أملاً بإنقاذ حياة كثيرين. فللخلايا الجذعية قدرة على التجدد وحماية الجسم من الداخل، وتستخدم في معالجة أكثر من 85 مرضاً، أما دم "الحبل السري" والأنسجة فيه فمصادر غنية بهذه الخلايا، بحيث يمكن حفظها واستخدامها بعد عشرات السنوات عند الحاجة، وأثبتت الدراسات والأبحاث فاعلية هذه التقنية في مواجهة الأمراض، إنما هذا لا يعني أن وجودها لا يثير جدلاً، خصوصاً أنها تجارة مربحة يستفيد منها كثيرون، كما أن اللجوء إلى تخزين الخلايا الجذعية من "الحبل السري" يعتبر مكلفاً وليس في متناول الجميع، وكأنها تأتي لتزيد الهوة بين من لديهم الإمكانات المادية للاستفادة من هذه الخدمات القادرة على إنقاذ حياة أطفالهم أو الحد من معاناتهم مع مرض معين على الأقل، وبين من هم من طبقة محرومة من هذا الحق أيضاً.
ضمانة في مواجهة الأمراض
واتخذ نديم عثمان وزوجته قرار حفظ الخلايا الجذعية من "الحبل السري" لطفلهما عند ولادته من تسعة أشهر، وبدت هذه الخطوة بمثابة ضمانة لحمايته في المستقبل، سواء احتاج إلى استخدامها أو لا، فعلى رغم أنه يأمل ألا يحتاج طفله إلى اللجوء إليها، اتخذ هذا القرار معتبراً أنه أقرب إلى التأمين الصحي "نحن ندفع مرة واحدة كلفة تخزين الخلايا الجذعية أي 3800 دولار أميركي لمدة 20 سنة كوسيلة فاعلة ومضمونة لحفظ الخلايا وحمايته في المستقبل من أمراض معينة أو حماية إخوته حتى. اعتبرنا أنه من واجبنا حفظ حقه هذا من خلال هذه التقنية التي تعتبر في غاية الأهمية".
ويعتبر حفظ الخلايا الجذعية من "الحبل السري" مكلفاً وقد لا يكون في متناول الجميع، لكن يعتبر عثمان أنه في حال توافر الإمكانات المادية، من الأفضل القيام بهذه الخطوة الواعدة كضمانة لحماية الأطفال في المستقبل.
كثيرون قاموا بهذه الخطوة خلال السنوات الـ20 الأخيرة في لبنان، فبالنسبة إلى كل من اتخذوا قرار حفظ الخلايا الجذعية لأطفالهم عند الولادة، قد تكون فيها فرصة لإنقاذ حياتهم في المستقبل.
بحسب مدير إحدى شركات تخزين الخلايا الجذعية في لبنان جيلبير كاراياكوبوغلو "هناك إقبال متزايد على تخزين الخلايا الجذعية من الحبل السري، لكن الجميع يعلمون أنها تقنية مكلفة إلى حد ما، وعلى رغم أنها فاعلة وقادرة على إنقاذ الحياة في المستقبل، قد لا يكون الجميع قادرين على اللجوء إليها، خصوصاً في ظل الأزمة ومع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين". أضاف "قبل الأزمة، كان من الممكن تقسيط المبلغ على دفعات، ما كان يسهل الأمور ويجعل حفظ الخلايا الجذعية من الحبل السري في متناول شريحة كبرى من الناس. اليوم، أصبح هذا مستحيلاً، ووحدها فئة محدودة من الناس قد تتمكن من القيام بهذه الخطوة المهمة في مواجهة أمراض في المستقبل، حتى إذا شجع الأطباء الأهل عليها".
في المقابل، لاحظ كاراياكوبوغلو أن الإقبال قد يزيد عليها حالياً في حالات معينة، كما في حال وجود أمراض وراثية، "فيفكر الأهل أكثر باللجوء إليها في حال وجود أمراض في العائلة يمكن مواجهتها بالخلايا الجذعية كالتلاسيميا والـsickle cell disease، عندها يكونون أكثر إصراراً على اللجوء إلى هذه التقنية، لأن كلفتها قد تكون أخف وطأة من كلفة علاجات هذه الأمراض طوال الحياة، لكن من الممكن استخدامها أيضاً لأمراض أخرى كالسرطان، خصوصاً اللوكيميا، وفي حالات تضرر الدماغ والجهاز العصبي والسكري من النوع الأول".
ودور الشركة يقتصر على سحب الدم بكمية معينة و"الحبل السري" عند الولادة، بعدها تتولى إرسالها إلى أحد البنوك الخاصة خارج لبنان، بما أنه لا وجود لها في البلاد، وتجرى عملية سحب الخلايا الجذعية خارج لبنان قبل حفظها في هذه البنوك.
من جهتها، تشير رولا نعمة من إحدى شركات تخزين الخلايا الجذعية، إلى أن استخدام الخلايا الجذعية في مواجهة الأمراض المستعصية يزيد مع التقدم بالسن، لذلك، لم تستخدم بعد في لبنان بما أن التقنية موجودة منذ ما لا يزيد على 20 سنة، ومن الأمراض المستعصية التي قد تستخدم لها اللوكيميا واللمفوما، إضافة إلى الأمراض الوراثية والسكري، وبحسب نعمة "لا تشكل الكلفة عائقاً للجميع، فعائلات كثيرة سافر فيها رب الأسرة للعمل في الخارج، ما يسمح له بتحمل كلفة تخزين الخلايا الجذعية من الحبل السري علها تسهم في إنقاذ حياة طفله، في حال احتاج إليها في المستقبل".
تقنية واعدة للسنوات المقبلة
تقنية تخزين الخلايا الجذعية من "الحبل السري" موجودة في لبنان من نحو 20 سنة، وفق ما أوضح الطبيب الاختصاصي في الجراحة النسائية والتوليد بيار نخل، إلا أنها منتشرة في الخارج قبلنا بسنوات عديدة، لكن تستمر الدراسات والأبحاث في هذا المجال، فتسهم في تطوير التقنية للاستفادة منها بشكل افضل، وفي لبنان بشكل خاص، يكتفي الطبيب، في الولادة، بسحب الدم بمعدل 50 ملليلتر، إضافة إلى "الحبل السري"، لترسل بعدها إلى البنك الذي تتعامل معه الشركة، وتسحب الخلايا الجذعية قبل تخزينها.
واعتبر نخل أن هذه التقنية كانت على مستوى العالم حلماً قبل أن تتحول إلى واقع، وقد تصبح أكثر انتشاراً ويتسع نطاق تطبيقها بعد 10 أو 15 سنة، كما أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تسرع في تطويرها، علماً أن المعرفة زادت بشكل واضح حول الخلايا الجذعية بفضل الدراسات والأبحاث والتطور الحاصل في هذا المجال بحيث أصبحت تشمل مروحة أكبر من الأمراض التي يمكن مواجهتها بفضلها.
حول تفاصيل هذه التقنية، أشار نخل إلى أن الخلايا الجذعية نوعان، أولهما الـEmbryon stem cell التي لا تستخدم أبداً في لبنان، وهي عبارة عن الخلية الأولى عند تكوين الجنين، وقد تستخدم لتكوين أي شيء كالجلد والأنسجة والشرايين، وتجرى عليها في خارج لبنان الكثير من الأبحاث، لكن في الوقت نفسه، هناك معايير أخلاقية تشكل عائقاً في هذا المجال، أما النوع الثاني من الخلايا الجذعية فهي التي تؤخذ عند الولادة من الحبل السري، وتركيز الخلايا الجذعية فيها يكون عالياً، كما تتميز هذه الخلايا الجذعية بكونها غير متخصصة، في ما تصبح في مرحلة لاحقة كذلك بحسب الموضع الذي تؤخذ منه أو توضع فيه.
على صعيد العالم، تستمر الأبحاث لتطوير سبل الاستفادة من الخلايا الجذعية، لكن في الوقت نفسه هي تستخدم على نطاق واسع في مواجهة حالات عديدة، وأحدثها المساهمة في تجدد خلايا عضلة القلب، إضافة إلى السرطان والسكري من النوع الأول والجهاز العصبي، وقد تساعد من يعاني مشكلة في النخاع الشوكي تمنعه من المشي، فيستعيد بفضلها القدرة على المشي، كما تستمر الأبحاث حالياً لتطوير سبل استخدام الخلايا الجذعية للكبد.
"الحبل السري"
وانطلاقاً من كل النتائج الواعدة التي تحققها هذه التقنية، من الطبيعي تشجيع النساء على الإقدام على هذه الخطوة للاستفادة من الخلايا الجذعية التي قد يستخدمها الطفل في أي وقت كان في المستقبل وقد تسهم في إنقاذ حياته أو الحد من معاناته على الأقل، وأهمية الخلايا الجذعية التي تؤخذ من "الحبل السري" وتخزن، في أن الجسم لا يرفضها عندما تكون هناك حاجة لاستخدامها لأنها ليست غريبة عنه، بعكس ما يحصل في حال استخدام خلايا جذعية من واهب فيرفضها الجسم، كما قد تستخدم الخلايا الجذعية للأشقاء، وعندها يمكن اللجوء إلى الأدوية للحد من حالة الرفض بنسبة 75 في المئة من الحالات.
في لبنان، أوضح الطبيب نخل أنه كانت هناك حالة وحيدة استفاد فيها طفل مصاب بالسكري من النوع الأول من الخلايا الجذعية، وحالياً، هناك تركيز على استخدامها في مواجهة سرطان الدم ومشكلات الأعصاب والأمراض المرتبطة بالمناعة، وقد لا تسمح التقنية بالشفاء التام، لكن على الأقل يمكن أن تسهم في تحسينها بنسبة 50 في المئة، وقد تسهم الأبحاث في مواجهة بعض التحديات التي تحد من فاعليتها. مع الإشارة إلى أن مدة التخزين القصوى المثبتة علمياً للخلايا الجذعية هي 30 سنة لاعتبارها لم تحفظ لمدة أطول بعد، بانتظار أن تثبت إمكانية تخزينها لوقت أطول مع حفاظها على فاعليتها.
وإذا كانت هذه التقنية الواعدة قد تشكل حلاً في مواجهة كثير من الأمراض في المستقبل، تبقى المشكلة في ارتفاع كلفتها وتخطيها ثلاثة آلاف دولار، ما يحرم كثيرين من إمكانية الاستفادة منها لإنقاذ حياة أطفالهم في المستقبل، إذا ما احتاجوا إليها في وقت من الأوقات. فهل يمكن أن يقود التطور في هذا المجال إلى انخفاض كلفتها لتصبح في متناول الكل؟
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها