اختفى بعد هجوم داعش على سجن الحسكة.. تساؤلات حول مصير الطفل الأسترالي يوسف
Thursday, April 21, 2022
في 26 يناير الماضي، أرسل يوسف ذهب، الذي خرج طفلا مع عائلته من أستراليا لينتهي بهم المطاف بين أيدي عناصر "داعش" رسالة صوتية إلى قريبته تزامنا مع الهجوم الذي شنه التنظيم الإرهابي على سجن الصناعة (أو سجن غويران، المعروف أيضا باسم سجن الحسكة المركزي) في محافظة الحسكة السورية.
وقال يوسف، 17 عاما، في رسالته، مشيرا إلى إصابته برأسه: "يحاولون دفعنا إلى الاستسلام.. قد تكون هذه آخر مرة أتواصل بها معك".
كان يوسف واحدا من 750 صبيا احتجزوا في السجن المليء بعناصر التنظيم المتطرف، دون أن توجه بحقهم أي تهمة، وبالفعل، كانت تلك المرة الأخيرة التي سمعت قريبته صوته، وفقا لما ذكرته قريبته لصحيفة "ذا غارديان".
وتواصل الهجوم الذي شنه التنظيم الإرهابي على السجن ستة أيام في المنطقة التي تسيطر عليها القوات الكردية، وتسبب القتال بسقوط قرابة 500 قتيل.
يوسف قال لقريبته إنه ربما عثر على طريقة للهروب من القتال، ليختفي أثره بعدها تماما.
وتقول الصحيفة إن الغموض الذي يلف كيفية وصول يوسف إلى سوريا ومصيره اليوم يطرح تساؤلات حول تعامل الحكومات البريطانية والأسترالية مع الأطفال الناجمين الذين عاشوا تحت سيطرة التنظيم، "الذين تتمنيان اختفاءهم".
أما في سيدني الأسترالية، تتوقع عائلة يوسف مقتله، وتمضي وقتها في التواصل مع سوريين في المنطقة والحكومة الأسترالية، للإجابة عن سؤال واحد: ماذا حل بيوسف؟
وتقول ابنة عم يوسف، هالة ذهب، التي كانت مقربة له كوالدته بسبب فرق العمر بينهما لـ "ذا غارديان"، إن "ابتسامته كانت معدية"، مشيرة إلى أنه عاش طفولة طبيعية في أستراليا، اقتطعت فجأة في عام 2015، عندما توجه الصبي الذي كان يبلغ 11 عاما حينها، إلى خارج البلاد برفقة والديه وشقيقيه الأكبر عمرا وشقيقته، بحجة زيارة جدتهم في لبنان.
لكن هالة تقول إن أشهرا مضت لتفاجأ بقدوم قوات الأمن الأسترالية إلى منزلها في نوفمبر من العام ذاته، وتعلمها أن العائلة تواجدت في منطقة خضعت تحت سيطرة "داعش".
وقالت هالة: "كنت مصدومة.. لأن عمتي وعمي كان لديهما مستقبل هنا، وحياة هانئة".
وتروي عائلة يوسف قصصا متناقضة، وفقا لـ "ذا غارديان"، من بينها أن العائلة توجهت للمناطق التابعة لسيطرة داعش في محاولة لاستعادة ابنها البكر، محمد، الذي توجه قبل أعوام للانضمام إلى التنظيم، ويقول هشام، والد يوسف، أنه حاول استعادة ابنه "الذي تعرض لغسيل للدماغ"، بينما يقول آخرون إن العائلة خدعت للوصول إلى الحدود وأجبرت على قطعها تحت تهديد السلاح.
وفي كل الأحوال تقول هالة، إن يوسف لم يقع عليه اللوم: "كان صبيا.. لم يقدر على اتخاذ القرارات بنفسه"، إلا أنه دفع ثمنها.
الخروج من سجن لآخر
في عام 2019، كانت عائلة ذهب (من تبقى منهم على قيد الحياة، وهم يوسف وشقيقته ووالداه) واحدة من بين الآلاف الهاربين من آخر معاقل التنظيم في بلدة الباغوز، شمال شرقي سوريا.
وفي نقطة للتفتيش تابعة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، فرقت العائلة، لتتوجه الوالدة والشقيقة إلى مخيم واحد، والوالد إلى مخيم آخر، بينما اعتبر يوسف أكبر من أن يذهب مع والدته (كان بعمر 14 عاما حينها) ليتجه مع مجموعة أخرى.
وتقول هالة: "لم نسمع بعدها شيئا عنه .. لا شيء طوال عامين".
لكن في نوفمبر الماضي، وصلت رسالة صوتية لهاتف هالة من رقم غير مألوف، كانت مقتضبة وسجلت على عجل.
"السلام عليكم، كيف حالك؟ أنا يوسف"، قال الصوت المتقطع الذي بدا وأنه يدخل مرحلة الرجولة "أنا بحال جيدة، أحبك، أنا آسف لأني لا أملك الكثير من الوقت، أردت أن أرسل رسالة لأخبرك أنني جيد الحمد لله، كيف حالكِ؟ هل أنت بخير؟".
وقالت هالة إن الرسالة أكدت مخاوفها باحتجازه في جناح الشباب اليافعين بسجن غويران، في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، ويحوي السجن حوالي ثلاثة آلاف من أكثر عناصر التنظيم السابق تشددا.
وقال يوسف إنه كان محتجزا في زنزانة مكتظة، حيث أصيب بالسل، وتقول هالة "كان يخبرني أن جسده ومفاصله تؤلمه .. كان يسأل متى يمكنني العودة إلى المنزل؟ وكنت أجيبه أننا نعمل على إنجاز الأمر".
"أنا مصاب.. ماذا أفعل؟"
ويتواصل صمت الحكومات البريطانية والأسترالية والكندية، التي رأت أن احتجاز الأطفال الذين توجهوا مع عائلاتهم للانضمام إلى داعش أو أولئك الذين ولدوا من نساء استعبدهن عناصر التنظيم أقل خطورة من محاولة إعادة دمجهم بالمجتمعات الأجنبية.
ومقارنة بالدول الأخرى تشير "ذا غارديان" إلى أن الحكومتين البريطانية والأسترالية بشكل خاص أعادتا توطين جزء ضئيل، بلغ ثمانية وتسعة أطفال بالترتيب، بينما أعادت روسيا 228 طفلا، وألمانيا 69، وفرنسا 70.
وتقول هالة إن الحكومة الأسترالية بدت غير مكترثة بمساعدة يوسف، مشيرة إلى أنها شكلت شبكة مع العائلات الأسترالية لعناصر "داعش" المحتجزين في سوريا، مضيفة أن أي محاولة للتواصل "لا ينتج عنها شيء، قد تأتي إجابة مؤتمتة أو يقولون: 'نعتذر لكن ليس لدينا تواجد قنصلي في تلك المنطقة'".
وبعد ورود أنباء الهجوم الذي شنه التنظيم على السجن، في يناير من العام الجاري، قالت هالة: "كنت مرعوبة، بدأت أدعو راجية، ألا يصيبه مكروه بالأخص وأنا عثرنا عليه أخيرا".
ثم أتاها تسجيل صوتي، قال فيه يوسف: "أنا مصاب، هناك مروحية تطلق النار على السجن.. أنا أنزف وفقد الكثير من الدماء، أرجوك، ماذا أفعل؟"
وأضاف "لقد أطلقت طائرة أباتشي النار علي، رأسي ينزف.. أصبت برأسي ويدي لا يوجد هنا أي أطباء يمكنهم مساعدتي، أحتاج المساعدة، رجاء".
وفي رسالته الأخيرة قال يوسف إنه سيستسلم، طالبا أمرين من عائلته، أن يحاولوا مساعدته أينما انتهى به المطاف لاحقا وأن يلقوا التحية على والدته التي لم يرها منذ ثلاثة أعوام.
ومع تلاشي الدخان ظلت هالة تنتظر أي نبأ عما حل بيوسف دون جدوى.
فرصة ضائعة
ونشرت العائلة بالتعاون مع "هيومن رايتس ووتش" تسجيلات يوسف الصوتية على أمل العثور عليه.
وفي يوليو، قالت والدة يوسف المحتجزة في مخيم للنساء والأطفال إنها حصلت على رسالة غامضة من القوات الكردية، تفيد أن ابنها، يوسف، لم يكن بحوزتهم، ولم يتمكنوا من توضيح توقيت أو موقع وفاته أو حتى هروبه من قبضتهم.
وبعد ثلاثة أسابيع قالت صحيفة استرالية بالاستعانة بمصادر لم تذكر هويتها، إن الحكومة الأسترالية تعتقد أن يوسف قد مات، هذه المستجدات دفعت العائلة إلى أن تفقد الأمل بعثورها على يوسف.
أقيمت جنازة يوسف في مسجد بسيدني في يوليو لكن العائلة لا تزال تبحث عن خاتمة حول تفاصيل وفاته.
ودون وجود جثة هناك مخاوف من أن يوسف نجا ليضيع في نظام فقد فيه مئات الأطفال.
وذكرت "ذا غارديان" أن الحكومة الأسترالية تعتقد أن يوسف تمكن من الاستسلام وأنه نجا لأسابيع عقب الهجوم على السجن، لكنها لا تملك أي تفاصيل قد تطمئن بها العائلة، وتحاول الحصول على توضيح من "قسد".
وقالت وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية إنها "تسعى للعثور على معلومات" حول يوسف.
ووفقا للأبحاث التي أشرفت عليها مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحماية وتعزيز حقوق الإنسان، فيونوالا ني أولين، من مراقبة السجون الكردية فإن يوسف واحد من بين 100 طفل على الأقل يجهل مصيرهم بعد الهجوم على السجن، وفقا لما نقلته "ذا غارديان".
وأكدت ني أولين إن إعادته خلال السنوات الثلاث الماضية كان "ممكنا للغاية.. أعمل مع الحكومات بشكل يومي لإعادة مواطنيهم، الحكومة الأسترالية ببساطة رفضت إعادة هذا الطفل".
وهذا هو ما "يحرق" هالة في منزلها بسيدني "كانت لديهم فرصة كافية لإخراجه.. وللأسف فإن النتيجة الوحيدة التي يمكن استخلاصها هنا هو: أنها لم تكن قضية شعبية، سياسيا لم تحظى بشعبية".