انتظروه تبريداً للملف الحكومي، فإذ بالسخونة ترتفع ومعها «متاريس» سياسية تشي بأزمةٍ مستحكمة بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه وبين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي.
هكذا بدا المشهد في بيروت أمس حيث لم تبرز أي إشاراتٍ إلى حلحلة ولو شكلية في التعقيدات التي تسترهن تأليفَ الحكومة الجديدة، بل على العكس مضى المُنْخَرِطون في هذه المنازلة بتفعيل عملية «اللعب على المكشوف» في مكاسَرةٍ لم يَعُد خافياً على أحد أنها باتت «الملعب الخلفي» لمعركة الانتخابات الرئاسية التي تخاض بـ «قفازاتٍ» حكومية بين فريق عون وميقاتي.
وإذ كانت الأنظار شاخصة على ما إذا كان انتهاء عطلة عيد الأضحى سيفتح الطريق أمام زيارة ميقاتي لعون لاستكمال النقاش في التشكيلة التي قدّمها لرئيس الجمهورية (غداة تكليفه) واعتَبر فريق الأخير أنها «قُدمت لتُرفض» في ضوء تضمُّنها تعديلات على حكومة تصريف الأعمال الحالية صُنِّفت «عدائية» للتيار الوطني الحرّ ولا سيما عبر انتزاع حقيبة الطاقة منه، تلبّدت الغيوم أكثر فأكثر في سماء التأليف الصعب.
وجاءت مواقف رئيس التيار الحر جبران باسيل (صهر عون) نهاراً ثم البيان المتشدّد من ميقاتي عصراً، لتؤكد المؤكد حيال استعصاء تأليف الحكومة في الفترة الفاصلة عن بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيسٍ (31 اغسطس وحتى 31 كتوبر) وأن الملف الحكومي ليس إلا «رأس جبل الجليد» في أزمة عميقة تتمحور حول السباق الرئاسي وتموْضع «الأحصنة الرئيسية» فيه، كما اللاعبين المؤثّرين الذين يخوضونه بحساباتٍ بعضها محلي صرف وبعضها الآخَر، وهو الوازِن، وفق مقتضيات المرحلة الاقليمية، كما هو حال «حزب الله».
فبينما كانت مناخاتٌ سرت نهاراً واعتُبرت مؤشراً لمحاولة سكب مياه باردة على الأجواء التي سادت عن طلب ميقاتي موعداً للقاء عون قبل سفره لتمضية عطلة العيد ولكنه لم يتلقَّ جواباً قيل له إنه سيتبلّغه «بعد دقيقتين»، وذلك تعبيداً للطريق أمام زيارة مرتقبة للرئيس المكلف الى قصر بعبدا، أطلّ باسيل بمواقف برسم ميقاتي بدت على طريقة «تعا ولا تجي»، هاجمه فيها قائلاً «الحكومة لا تتشكل بين اليخت والطائرة ولا تُنجز بين اليونان وبريطانيا بل تتشكل في قصر بعبدا بين رئيس الجمهوري والرئيس المكلف».
وأضاف: «واضح أنه (ميقاتي) لا يريد تشكيل حكومة جديدة وهو اعترف بذلك أمام كل الوزراء قبل تكليفه وهو يبحث عن فتاوى دستورية لتعويم الحكومة المستقيلة. ويبرر ذلك بأنه»مش حرزانة«تشكيل حكومة لثلاثة أشهر، وأنه أصلاً كي تأخذ الثقة يبقى شهر لدخول الاستحقاق الرئاسي وأنه ماذا سنضع في البيان الوزاري؟ وأنه لا يمكن ان نقوم بشيء ولا أن نلتزم بشيء في هذا الوقت. وهنا بيت القصيد: لا يريدون القيام باللازم في القضاء كي ينتهي تحقيق المرفأ ويَصدر القرار الظني، ولا يريدون الملاحقة القضائية لرياض سلامة أن تتم كي لا يضطروا لتغييره في مجلس الوزراء، ولا يريدون للتحقيق الجنائي أن يكمل، ولا يريدون لعودة النازحين أن تتم بغير رضى المجتمع الدولي، ولا أن يبتوا خطة تعافٍ تعطي الناس حقوقهم من المصارف. السياسيّ يعيّن الماليّ ويحميه، والماليّ يموّل السياسيّ ويتغطّى به، هذه معادلتهم. باختصار لا يريدون حكومة تُنْجِز شيئاً في العهد».
ولم يتأخّر ميقاتي في الردّ عبر مكتبه الإعلامي على ما يتم تداوله «منذ عدة أيام من أخبار وتسريبات منسوبة الى رئاسة الجمهورية أو الى بعض مَنْ يدورون في فلكها، تتناول شخص دولة الرئيس ومهمة تشكيل الحكومة، واستطراداً العلاقة بين فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس ميقاتي».
وقال في بيان: «يوم الثلاثاء من الأسبوع الفائت، وفي إ مهمته بتشكيل الحكومة والتعاون مع فخامة الرئيس في هذا الصدد، إتصل مكتب دولة الرئيس بمدير المراسم في القصر الجمهوري الدكتور نبيل شديد لطلب موعد، فتم إبلاغ المتصل بالجواب الآتي»سنعود اليكم بعد قليل«. وحتى الآن لم يتصل أحد، لا بل على العكس، تم تسريب أخبار غير صحيحة عن وساطة يقوم بها أحد الوزراء نفاها الوزير نفسه، وعن جواب سلبي وجّهه فخامة الرئيس الى دولة الرئيس، وهذا غير صحيح ايضاً».
وأضاف: «وبالتزامن صدر بيان عن نشاط رئيس الجمهورية يشير الى أن فخامته»يتابع مسار تشكيل الحكومة«، فيما السؤال البديهي مع مَنْ كان يتابع؟ والملفت أنه حتى الآن لم يصدر عن القصر الجمهوري، الحريص على متابعة كل شاردة وواردة والتصويب حيث يلزم، أي توضيحٍ أو بيان رسمي يضع الأمور في نصابها، لا بل على العكس، فإن ما تم توزيعه على بعض الصحف اليوم (أمس) مواربة، جاء ليؤكد التسريبات بإطار مغلّف باللياقات الواهية».
وأعلن ميقاتي في ضوء ذلك ان التشكيلة الحكومية التي قدمها لعون في اليوم التالي للاستشارات النيابية «هي خلاصة قناعة تولدّت لديه بنتيجة المعطيات المتوافرة ومواقف الكتل والنواب والقيادات والشخصيات السياسية»، وقال في غمز من قناة صلاحياته الدستورية وحدود صلاحيات رئيس الجمهورية في التأليف: «هذه التشكيلة هي الإطار المناسب للبحث مع فخامته وخصوصاً أنها تنسجم مع مسؤوليته وطروحاته والأهداف الواجب تحقيقها في هذه المرحلة الضيقة جداً، وهذا العمل هو ما يقتضيه الدستور حيث ان رئيس الوزراء هو مَن يتحمل المسؤولية أمام مجلس النواب».
وأضاف: «ان التحديات الداهمة التي يمر بها الوطن لا تسمح بأي تأخير أو تلكؤ عن دعم مساعيه في تشكيل الحكومة، ولا بوضع الشروط والعراقيل وحجج المحاصصة التي يحاول البعض افتعالها بالتوازي مع حملات اعلامية لن تغيّر قيد انملة في قناعات دولة الرئيس وخياراته».
وتابع: «ان الإساءات المتكررة طوال الأيام الماضية إلى مقام رئاسة مجلس الوزراء، بما يمثّله على الصعيد الوطني والى شخص دولة الرئيس، تمثل انحطاطاً في مستوى التخاطب وتسيء للجميع على المستوى الوطني. إن رئاسة الجمهورية معنية أولاً بدحض ما يُنسب اليها همْساً او مواربة، وهي المقام الأرفع في الدولة، والتي يقسم الرئيس الذي يشغلها على الدستور ويتعهد بحفظ الثوابت والمسلمات الوطنية. كما ان رئاسة الجمهورية معنية بوقف ممارسات وتدخلات بعض المحيطين بها والذين يمعنون في الإساءة والعرقلة. وبناء عليه سيواصل دولة الرئيس العمل للخروج من نمط التعطيل هذا، وسيبنى لاحقاً على الشيء مقتضاه».
وفي حين أكد ميقاتي «انه ماض في القيام بالمهام المطلوبة من حكومة تصريف الأعمال ضمن الأصول الدستورية»، قال: «بدل ان يتلهى البعض برسم سيناريوات للاستحقاقات المقبلة فليبادر الى التعاون مع الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، ومن ثم التعاون ضمن الأصول لانتخاب رئيس جديد في المهلة القانونية».
وفي موازاة ذلك، برز موقف للسفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو خلال زيارتها عون حيث جرى بحث «الأحداث السياسية على الساحة اللبنانية ومنها الملف الحكومي، ووجوب احترام المهل الدستورية، وانتخاب رئيس للجمهورية وفق ما ينص عليه الدستور. وتم التطرق ايضاً الى اهمية موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية والوصول الى نتائج ايجابية في شأنه».
وخلال اللقاء شددت غريو أيضاً على «أهمية الاسراع في إقرار البرلمان للقوانين اللازمة من اجل استعادة الوضعين الاقتصادي والمالي عافيتهما، اضافة الى متابعة ملف انفجار مرفأ بيروت في الرابع من اغسطس 2020 وكشف ملابساته وتحديد المسؤوليات».
كذلك كان للرئيس اللبناني لقاء مع النائبة الجديدة للمبعوث الدولي الخاص في سورية نجاة رشدي لمناسبة تعيينها في منصبها الجديد، وإنهاء عملها في لبنان كمنسقة مقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية.
وجدّد عون أمام رشدي «رفضه لما صدر عن بعض الدول حول توجه لدمج النازحين السوريين في المجتمعات التي تستضيفهم»، وقال «ان لبنان لا يمكنه القبول بمثل هذه الخطوة، وعلى الدول الاوروبية أن تعي هذه الحقيقة وتتصرف على هذا الأساس».