شربل نوح
من مؤتمرات الساحل مرورا بجمال عبد الناصر و عرفات وصولا الى حزب الله و ايران اشكالية الهوية و الانتماء عند بعض المكونات اللبنانية
ان اردت ان تعرف شعبا فانظر الى ماضيه ... واحدة من المشاكل الكثيرة لهذا الوطن المتعب كانت ولاء بعض مجموعاته لارتباطات قومية و دينية مع بيئتها الام خارج حدود الكيان
لقد عانى هذا الوطن الصغير الذي امن الملجأ و الملاذ لساكنيه من جحود بعض ابناءه نتيجة ارتباطهم الوثيق بالمجتمعات التي اتوا منها و بسبب محاولة هؤلاء الدائمة لتحويله الى شبيه بمحيطه الشمولي
من هنا كانت مؤتمرات الساحل في عشرينات القرن الماضي التي رفضت الكيان و نادت بضم مدن الساحل الى سوريا الكبرى او بمعنى من المعاني الى الدولة العربية الاكبر ذات البعد السني و من هنا ايضا كان تمرد 1958 نتيجة احساس البعض بارتباطهم العضوي بطروحات عبد الناصر و حلم قيام الجمهورية العربية المتحدة
كل ذلك ادى الى انفجار الوضع الداخلي سنة 1975 والذي كان النتيجة الطبيعية لخوف الكيانيين اللبنانيين من تحويل وطنهم الى شيء ما لا يشبهه بظل رغبة القوى المسماة وطنية وقتها بالحاقه بالامة الكبرى بمفهومها القومي المعروف والديني غير المعلن لذلك رأينا اغلب القيادات الاسلامية وقتها تقاتل مع ياسرعرفات ضد من يفترض ان يكونوا شركائها بالوطن بحجة الاصلاحات في النظام و الغبن و غيرها من شعارات ذلك الزمن ما ادى الى محاولة عزل قوى اليمين المسيحي التي شكلت عائقا امام تحويل لبنان من وطن الى مقاطعة صغيرة في امة اكبر.
هذه الاشكالية استمرت بعد الحرب باستثناء بسيط وهو ظهور الوجه اللبناني المحض للسنة مع رفيق الحريري ... هذا الرجل الليبرالي الذي فهم بعمق معنى وجود لبنان في هذه المنطقة الملبدة بالغيوم و عمل على تحويل ولاء طائفته الى لبنان اولا فكان اغتياله الشرارة التي اطلقت اول ثورة في تاريخنا الحديث و هي ثورة الارز و التي ادت الى انهاء الوصاية السورية و ظهرت فكرة الانتماء اللبناني الصافي بابهى حللها عند كثر من غير المؤمنين بها ... باختصار رفيق الحريري نقل سنة لبنان من مؤتمرات الساحل و رفض الكيان الى لبنان اولا" و هذا ما يحسب له رحمه الله فهل تنتج الطائفة الشيعية اليوم رفيق حريري اخر ؟
بعد ثورة الارز كأننا عدنا الى المربع الاول و لكن هذه المرة من باب الشيعية السياسية و اندماجها بنظرية ولاية الفقيه التي لا تعترف حتى بالامة التي درجت على تسويقها بعض الاطراف في لبنان ... فولاية الفقيه هي نظرية دينية كونية تلامس بمفاعيلها العقائد الكبرى التي نشأت في القرن المنصرم كالشيوعية و غيرها و هذا المشروع هو الاخطر على لبنان لانه يقوم على مزيج من الدين و الايديولوجيا و القوميات اي انه جمع تقريبا بمعنى او باخر كل الافكار السابقة بنظرية واحدة لا تعترف بالاختلاف و حق تقرير المصير .
منذ نشأة لبنان اختلفت مكوناته على كل شيء تقريبا للاسباب التي شرحناها و غيرها و ما زالت و لن تنتهي تلك الاختلافات الا بالتصارح فيما بينها من دون خجل لمحاولة تأطير المشكلة حتى تتمكن كل مجموعة من تقرير ما تريده حقا من العيش معا ... دون ذلك لن نعرف استقرارا" او هدوءأ" في المدى المنظور .