نجح «حزب الله» حتى الآن في الخروج من الاستحقاقات بأقلّ الأضرار الممكنة ومن دون «خسائر» تُذكر، وأوّلها الانتخابات النيابية، بحيث حافظ مع «حركة أمل» على المقاعد الشيعية الـ27، ولم يخسر من أصوات جمهوره، على رغم أنّه في صلب السلطة التي فشلت في إدارة الأزمة منذ عام 2019، وأوصلت البلد والناس إلى الحضيض، وعلى رغم أنّه «عرّاب» عهد الرئيس ميشال عون والداعم والحليف الأساس لـ«التيار الوطني الحر» وحركة «أمل»، اللذين شكّل معهما حكومة الرئيس حسان دياب، ويُشكّلون معاً الأكثرية في حكومة تصريف الأعمال. كذلك على رغم خسارة «الحزب» الغالبية النيابية، إلّا أنّه فاز في معارك رئاسة مجلس النواب ونيابة الرئاسة واللجان، ويقترب من تحقيق «فوز» آخر اليوم، في استشارات التكليف، بتسمية الشخصية التي «تريحه» أو بالحدّ الأدنى، بعدم إمكانية تسمية رئيس «يزعجه» وتأليف حكومة مواجهة له.
لم تنجح المعارضة النيابية في تأمين غالبية لإسم رئيس الحكومة العتيد، فأثبتت في الاستحقاق الثالث على التوالي بعد شهر ونيّف على الانتخابات النيابية، أنّ توحّدها صعب لاعتبارات عدة، وأنّ تشكيل غالبية نيابية مواجهة لـ«حزب الله» وحلفائه ليس بالأمر اليسير. وانطلاقاً من عدم توحُّد المعارضة على إسم الرئيس المكلّف تأليف الحكومة، كذلك عدم اجتماع حزبي «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» والنواب السنّة والآخرين المستقلين «السياديين» على إسم واحد، يشير بحسب جهات سياسية، إلى أنّ «قرار المواجهة» غير مُتخّذ، ولا ضوء أخضر خارجياً لإطلاق «المواجهة السياسية» مع «حزب الله» في هذه المرحلة، من باب التكليف والتأليف.
وهذا «اللاقرار» منبثق بدوره من السياسة العامة المُتّبعة في المنطقة، والتي تنعكس على الوضع في لبنان، وهي تسير على خط المفاوضات والحوارات وتجنُّب فتح أبواب فوضى وتوترات جديدة. فكما لا قرار بترك لبنان ينهار، ما يؤدّي الى انفجار اجتماعي يُترجم فوضى أمنية وتُطاول حممه المنطقة ودول المتوسط، ويستدعي «انغماس» أميركي، كذلك إنّ قرار مواجهة «حزب الله» ليس بـ«النزهة»، ويؤدّي بدوره الى «الفوضى المرفوضة»، ومرحلة الـ2005 وما تلاها الدليل الحسّي على ذلك و«الأكثر إيلاماً».
ويبدو أنّ الخارج بات مقتنعاً أنّ «حزب الله» لا يمكن عزله سياسياً، والفرنسيون أوّل «المقتنعين» بذلك، كما صرّح نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم سابقاً. وبُعيد الانتخابات النيابية دعا مجلس الأمن الدولي إلى «حكومة جامعة»، هذا في حين كان «الحزب» يدأب على التأكيد قبل الانتخابات النيابية، أنّه ومهما تكن نتيجة الانتخابات، أنّ «البلد لا يُحكم الّا بالتوافق، ولا تنجح معادلات «الأكثرية والأقلية» وحكومة «الغلبة». هذه المعادلة «واقع قائم» لا يُمكن تخطّيه «عالبارد»، بحسب جهات سياسية، تسأل: «هل يعتقد أحد أنّ «حزب الله» وفي حال سُمّي رئيس للحكومة ضدّه وأُلّفت حكومة مواجهة، سيجلس جانباً متفرجاً؟».
هذا لا يعني أنّ هذه المواجهة مستحيلة، خصوصاً أنّ الداخل والخارج على حدّ سواء، خاضا الانتخابات النيابية لـ«تحسين شروطهما»، الّا أنّ هذه المواجهة ليست منفصلة عن المحيط، بل مرتبطة به جذرياً ولا يُمكن أن تكون بمعزلٍ عنه، وبالتالي ترتبط هذه المواجهة بنتيجة المفاوضات السعودية ـ الإيرانية والمفاوضات الأميركية - الإيرانية حيال الاتفاق النووي. وقبل تبيان الدخان الابيض أو الاسود من هذه المفاوضات، لا تغيير في «الستاتيكو» اللبناني. ويظهر أنّ هذه «مرحلة تجميد» لمنع الارتطام النهائي في لبنان، إلى حين تحديد مصير البلد انطلاقاً من تبيان مصير هذه المفاوضات، وعندها تنضج التسوية، إمّا بعد خوض مواجهة أو «عالبارد»، وذلك بحسب ما سيكون الوضع الإقليمي الجديد الذي سيولد بعد مخاض المفاوضات. وإلى ذلك الحين، يقول الخارج: «تعايشوا مع «الحزب».