على مشارف انقضاء الأسبوع الأول من المهلة الدستورية لانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية في لبنان، اكتمل ارتسامُ الأطر و«الأولويات» التي تخوض مختلف الأطراف الداخلية هذا الاستحقاق على أساسها والتي تُنْذِر بمسار شائكٍ يشي بتعميق الحفرة المالية السحيقة التي تكاد أن «تبتلع» الوطن الصغير بمَن فيه.
وفيما تشخص الأنظار الأسبوع الطالع على كيفية تفادي دخول قطاع الاتصالات والانترنت بكامله في «غيبوبة» طويلة ما لم تُعالَج مطالب موظفي هيئة «اوجيرو» المستمرين في إضرابٍ مفتوح تسقط معه الشبكات و«تسكت» تباعاً في أكثر من منطقة، حَمَلَ يوم أمس تتماتٍ لمواقف مفصلية أُطْلقت قبل أيام وقاربتْ أزمتيْن باتتا متلازمتين وهما الانتخابات الرئاسية وتأليف الحكومة الجديدة.
ولم يكن عابراً تقاطُع موقفيْن مسيحييْن، من رأس الكنيسة المارونية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، عند «تصويب بوصلة» الأولويات نحو «الانتخابات الرئاسية أولاً» عوض «التقاتل» حول مَن يدير فراغاً رئاسياً باتت غالبية القوى تسلّم بحصوله، هل الحكومة المستقيلة أو حكومة جديدة، أم «أحكام الضرورة» التي أحيتْ وراء الكواليس شبح خيارات مثل بقاء الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا كي لا يسلّم صلاحيات الرئاسة إلى حكومة تصريف أعمال.
واكتسبت مواقف الراعي في عظة الأحد، وجعجع في قداس شهداء «المقاومة اللبنانية»، حيث شنّ هجوماً كاسحاً مزدوجاً، على عون وتجاربه «الجهنّمية» في الحُكْم وعلى «حزب الله» وسياساته التي أفضت «لإفقار لبنان وعزْله» أهمية خاصة، بعدما كان الأسبوع الماضي حَمَلَ تطوريْن بارزيْن:
- الأوّل إفقاد رئيس البرلمان نبيه بري «أوراق الاحتياط» التي يلوّح بها ضمناً فريق عون لمحاولة فرض حكومة جديدة بشروطه (مثل سحب تكليف الرئيس نجيب ميقاتي أو تشكيل حكومة انتقالية أو بقاء عون في بعبدا) أي مسوغ دستوري واعتبارها «عبثاً بالدستور أو تمرداً عليه وتذاكياً يعيد عجلة الزمن الى ما قبل الطائف»، وذلك بالتوازي مع إطلاق «رصاصة» بدت «قاتلة» لطرح هذا الفريق حكومة تشكيل موسعة من 30 وزيراً بينهم 6 وزراء دولة من السياسيين لتتولى إدارة مرحلة الفراغ الرئاسي.
- والثاني ملاقاة «حزب الله» شريكه في الثنائية الشيعية بري بموقف هو الأول من نوعه بهذا الوضوح وضع خطاً أحمر أمام أي خيارات تجعل الاستحقاق الرئاسي يسير خارج سياق «السلاسة» أو تتسبّب بإرباكاتٍ دستورية وربما أكثر، بالتوازي مع دفْع الحزب باتجاه تذليل العقبات من أمام استيلاد حكومة «لا شائبة» دستورية فيها لـ«تلتقط» فترة الشغور في سدة الرئاسة.
فرئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» هاشم صفي الدين دعا قبل أيام إلى أن يعمل الجميع على «انتخاب رئيس جمهورية ضمن المهلة المقررة وهذا ما نعمل عليه» معتبراً «أن التهويل بالفراغ الرئاسي يهدف إلى البناء لأهداف معينة وتحميل جهة معينة المسؤولية عن ذلك».
وأكد أن حزب الله «لا يرشح أحداً إلى الرئاسة، نحن ندعم والمرشحون هم من يعملون»، موضحاً «أننا مع أن نؤجل النقاش في تفاصيل الترشح إلى رئاسة الجمهورية بانتظار إنضاج الملف وقناعتنا أنه بحاجة إلى روية وإيجاد مخارج تناسب وضع بلدنا».
وأعرب عن اعتقاده أن «الأصل هو أن تسير الأمور بشكل سلس، وما فهمناه وما أعلنه رئيس الجمهورية أنه لن يبقى دقيقة بعد انتهاء المهلة الدستورية، وندعو إلى أن تجري الأمور بشكل سلس في ملف رئاسة الجمهورية ويكفي البلد المزيد من الإرباكات».
وإذا كان موقف الكنيسة وجعجع، من أولوية حصول الانتخابات الرئاسية في مواعيدها لا يعني أن الاستحقاق سيُنجزَ قبل 31 أكتوبر المقبل، في ضوء التعقيدات الهائلة التي تعترضه، وبعضها يتصل بالتوازن السلبي في البرلمان وبضرورات «حياكة» تفاهماتٍ محسوبة «عالورقة والقلم»، وتفادي تَشظي تحالفاتٍ كبرى بـ«نيران صديقة» في ضوء انتقال المعركة الرئاسية مثلاً إلى داخل بيت الائتلاف الذي يقوده «حزب الله» (بين رئيس «التيار الوطني الحر جبران باسيل وزعيم«المردة»سليمان فرنجية)، فإنّ غياب«العمق المسيحي»عن الاستراتيجية الرئاسية التي يعتمدها فريق عون في موازاة حرْق بري«هوامش المناورة»الدستورية أمامه وحصْر«حزب الله»مَنْفذ الدخول إلى شغورٍ هادىء بتعويم حكومة تصريف الأعمال الحالية وتجديد الثقة بها نيابياً، يطرح علامات استفهام حول«الخطوة التالية»لباسيل.
وإذ يطلّ رئيس «التيار الحر» يوم غد، بمواقف يُنتظر أن يردّ فيها على بري ويحدّد «خريطة الطريق»التي يراها للملفين الحكومي والرئاسي، فإن أوساطاً سياسية ترى أن تفريغ «الأسلحة الثقيلة» التي لوّح بها لتحسين شروطه حكومياً واستطراداً تحصين موقعه في الاستحقاق الرئاسي كـ«ناخب أول»، من «حمولتها» وفق ما عبّرت عنه مواقف رئيس البرلمان و«حزب الله»، وافتقاد باسيل لـ«مؤازرة مسيحية» تُغطّي تَساهُلاً في شغور رئاسي ثالث على التوالي، قد يعزّز سيناريو الولادة القيصرية لحكومةٍ في الأيام الأخيرة قبل انتهاء ولاية عون، وعلى الأرجح «نسخة طبق الأصل»عن الحالية مع تجديد «صلاحيتها» نيابياً، فلا يكون باسيل «خسر كل شيء»، الرئاسة وأحد مفاتيح التحكّم بمرحلة الفراغ، إلا إذا كان سيختار سلوك«عليّ وعلى أعدائي».
وكان البطريرك الماروني قال في عظة الأحد، «باتت المسألة اليوم، وبكل أسف: مَن يتولى مسؤولية الفراغ أو الشغور الرئاسي؟ رئيس الجمهورية الذي شارف عهده على النهاية، أم الحكومة المستقيلة؟ نحن نعتبر أن تَعَمُّد الشغور الرئاسي مؤامرة على ما يمثل منصب الرئاسة في الجمهورية، بل هو خيانة بحق لبنان».
واعتبر ان "التلاعب برئاسة الجمهورية هو تلاعب بالجمهورية نفسها، وحذار فتح هذا الباب».
وتابع ان «البطريركية المارونية، المعنية مباشرة بهذا الاستحقاق وبكل استحقاق يتوقف عليه مصير لبنان، تدعو الجميع إلى الكف عن المغامرات والمساومات وعن اعتبار رئاسة الجمهورية ريشة في مهب الريح تتقاذفها الأهواء السياسية والطائفية والمذهبية كما تشاء».
في موازاة ذلك، شهد لبنان أمس تظاهرة بحرية لـ«كتيبة مراكب ويخوت»انطلقت من طرابلس في رحلة تنقّلت خلالها بين مناطق الهري وعمشيت والجية صيدا وصور وصولاً إلى الناقورة، وذلك تحت شعار «نفط لبنان للبنان»، لتأكيد التمسّك بحقّ «بلاد الأرز» الكامل بمياهها وحدود ثرواتها.
وفي حين غرّد عون عبر حسابه على «تويتر»، «من طرابلس إلى الناقورة، مروراً بموانئنا، تحية إلى شباب لبنان المشاركين بالحملة البحرية تمسكاً بحق لبنان الكامل بمياهه وحدوده وثرواته»، نشطت التحريات عن المناخات التي تحدثت عن قرب إنجاز اتفاق الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل بوساطة أميركية.
فعلى وقع أجواء عن إمكان ترحيل هذا الاتفاق لأكتوبر وربما بعده ربطاً باعتبارات اسرائيلية تتعلق بالانتخابات التشريعية، نقلت قناتا «العربية» و«الحدث»عن مصادر «أن الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان بات شبه ناجز»، مؤكدة أن «حقل كاريش النفطي سيبقى مع إسرائيل، في حين يكون حقل قانا كاملاً من حصة لبنان».
وفيما أشارت «العربية» إلى ان الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين يصل ليل غد الى لبنان «حاملاً مسودة اتفاق مبادئ (بالأحرف الأولى) وافقت عليه اسرائيل»، نقلت عن المصادر أن «شركة إنرجين اليونانية الفرنسية التي تنقّب في حقل كاريش هي مَن ستتولى التنقيب واستخراج الغاز من حقل قانا»، كاشفة «أنها ستدفع لإسرائيل تعويضاً مالياً من أرباحها بخصوص ادعاء تل أبيب بملكية جزء من حقل قانا».
وذكرت مصادر «العربية» و«الحدث» أن «استخراج الغاز من كاريش سيكون مطلع أكتوبر، من دون أن تستبعد إقدام حزب الله على شن عملية أمنية محدودة ضد الحقل المذكور في الفترة الفاصلة للقول إن التنازل الإسرائيلي جاء بفعل التهديد».