تنافس بين الفوضى المدمرة في لبنان و الفوضى الخلاقة و المضبوطة
الراي الكويتية
Thursday, April 21, 2022
تتسابقُ السيناريوهات السود في لبنان، في ملاقاةِ استحقاقاتٍ دستورية تختزلها الانتخابات الرئاسية التي بات التنافس فيها بين «الفوضى المدمّرة» في مواجهة «الفوضى الخلّاقة والمضبوطة» في ظلالِ فراغٍ شبه حتمي بات «مالئا» المشهد الداخلي الذي انفتح على تعبئة قصوى ومناخاتٍ عدائية تُنْذِر بـ... شرّ مستطير.
هستيريا لم تتوانَ معها الأطراف الوازنة عن تحويل الاستحقاق الرئاسي ساحةً لـ «التحاماتٍ سياسية» أحرقت نيرانُها إمكانات تأليف حكومة جديدة قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (31 أكتوبر)، ما لم تحصل معجزة في ربع الساعة الأخير، فيما الانهيارُ المالي يشتدّ ويقترب من ساعة السقوط المريع الذي لا يُبْقي ولا يذر، وفي ظلّ اشتعالٍ متوازٍ لفتائل معيشية وقضائية وأمنية تشي بأن الأرض بدأت تهتزّ تحت أٌقدام الجميع.
وفي حين كانت بيروت تشهد ترشُّح ثاني امرأة للانتخابات الرئاسية (بعد السفيرة السابقة تريسي شمعون) هي مي الريحاني، ابنة شقيق الأديب أمين الريحاني والمتحدّرة من عالم الأدب والفكر والخبرة في الانماء العالمي وتمكين المرأة، فإنّ هذه الدينامية «الإسمية» لا تعكس بأي حالٍ أن هذا الاستحقاق يقترب من ترجمات فعلية في أصْل حصوله بموعده الدستوري الذي طواه الكلّ وسط صراعٍ مفتوح على صفحة الشغور وبأي «حِبْر» تُملأ.
ولم يكن أدلّ على هذا الصراع الطاحن من مواقف «العيار الأثقل» التي أطلقها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل باسم فريق الرئيس ميشال عون وحدّد معها بـ «التهديد» والردود النارية معالم مرحلة الفراغ الرئاسي عبر تكريس فيتو على تَسَلُّم حكومة تصريف الأعمال (يترأسها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي) صلاحيات الرئاسة الأولى بعد 31 اكتوبر بوصفْه باباً لفوضى دستورية رسم بإزائها معادلة «الفوضى بالفوضى المقابلة» التي اعتُبرت تستبطن خياراتٍ مفتوحة على شتى الاحتمالات: من عدم مغادرة عون قصر بعبدا، إلى صدور مرسوم بقبول استقالة حكومة ميقاتي (في محاولة لجعل الحكومة غير قائمة حتى لتصريف الأعمال)، مروراً بتشكيل حكومة انتقالية (عسكرية أو مدنية) أو «استقالة» الوزراء المحسوبين على التيار من تصريف الأعمال لتصبح الحكومة الحالية «ناقصة ميثاقياً»، وليس انتهاءً باللجوء إلى الشارع.
ولم يتردّد باسيل في معرض تأكيده «أننا لن نعترف بشرعية الحكومة المستقيلة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وسنعتبر الحكومة عندها مغتصبة سلطة وساقطة مجلسياً ودستورياً وميثاقياً وشعبياً، ولو اجتمع العالم كله على دعمها» في التهديد «ما تجرّونا إلى ما لا نريده» متوجّهاً إلى ميقاتي «ما تتخبى ورا حدا، وما تسمع نصائح أو أوامر حدا من الخارج والداخل.. ما بيقدروا يحموك»، قبل أن يشنّ هجوماً كاسحاً ردّ فيه على رئيس البرلمان نبيه بري «فالذي يتمتع فقط بشرعية سنية او شيعية، ما يتفلسف على العالم بالشرعية الوطنية، وهو كل هدفه الاتيان برئيس ضعيف والعودة الى الترويكا التي تقف على ركيزتين مع»اجر كرسي«مسيحية».
ولم يوفّر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مستحضراً صفحات دموية من الحرب اللبنانية ومؤكداً «ميشال عون ما رح يطلع من التاريخ».
وإذ اعتُبرت مواقف باسيل مؤشراً لا لُبْس فيه إلى أن الأسابيع الفاصلة عن 31 أكتوبر ستكون حبْلى بالمزيد من الفصول الساخنة سياسياً في ظل مزيد من تَقَطُّع حبال التواصل بين المعنيين بتأليف الحكومة والخشية من انقطاع آخِر «حبل نجاة» ممكنٍ لبلاد الأرز من الارتطام المروّع ما أن يسقط في حفرة الفراغ التي لا يُعرف أي لبنان سيخرج منها وماذا سيبقى من نظامه المهشَّم، فإن طبول «الحرب الرئاسية» لم تحجب عنواناً صاخباً اقتحم المشهد الداخلي مع الاتجاه لتعيين محقّق رديف للمحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار المعلّقة مهماته منذ أشهر والمحاصَر بعشرات دعاوى الردّ ومخاصمة الدولة.
ومنذ أن سرت معلومات عن موافقة مجلس القضاء الأعلى على اقتراح عاجل من وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، بتعيين قاضي تحقيق رديف في «بيروتشيما» لبتّ الأمور الملحة والضرورية إلى حين يتمكن بيطار من وضع يده على الملف مجدداً، حتى تصاعدت الاعتراضات من حقوقيين وسياسيين وأهالي الضحايا الذين نظّموا أمس تحركاً اعتراضاً على «انقلاب» القضاء الأعلى «على بيطار».
ورغم محاولات ربْط هذا التطور المفاجئ بالأوضاع الصحية والإنسانية لعدد كبير من الموقوفين منذ نحو عامين بتهم التقصير الوظيفي والإداري والذين لا يمكن بت طلبات تخليتهم قبل إطلاق يد بيطار مجدداً، فإن تَصَدُّر فريق عون «المعركة» أعطى انطباعاتٍ بأن هذا التطور يُخاض بحسابات سياسية وبخلفيات تحصيل نقاطٍ شعبية في زمن «شدّ العَصَب» الرئاسي، وبهدف رئيسي يتمثل في الإفراج عن رئيس المجلس الأعلى السابق للجمارك بدري ضاهر.
وركّزت المواقف المعترضة على تعيين محقق رديف على أن المطلوب «دفن» التحقيق في انفجار المرفأ عبر استحداث مسار موازٍ يُطْلق الموقوفين بحجة تعطُّل عمل بيطار عوض توقيع مرسوم تشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز (العالق عند توقيع وزير المال) بما يساهم في بت الدعاوى بحق المحقق «الأصيل» (مقدّمة من نواب ووزراء سابقين) واستئناف التحقيق بكليته واستكماله، ومتحدثّة عن «ضغط فاجر من المنظومة الفاسدة والمجرمة لتطيير التحقيق وإلغاء العدالة وتدمير ما تبقّى من استقلالية القضاء» كما قال النائب ميشال معوض.
وفيما شخصت الأنظار على ردّ فعل القاضي بيطار الذي اعتُبر التعيين المرتقب لرديف له في سياق محاولة «إحراجه لإخراجه»، أعلن تكتل نواب قوى التغيير، إن وزير العدل «يرتكب - بالاشتراك مع مجلس القضاء الاعلى - عملية استهداف للعدالة في قضية جريمة العصر، بفبركة «إخراج» غير قانوني يتسم بمخالفات فادحة الجسامة لتعيين محقّق عدلي جديد بصلاحيات استثنائية مُبتكرة كضربة قاضية لدور بيطار».
وأضاف: «يبدو أنّ أهل العدالة أنفسهم اغتالوا العدالة بأيديهم وقدموها قرابين على مذبح الإرادات السياسية المُلتوية، فراكموا اليقين فوق اليقين أنّ القضاء لا يزال تحت رحمة السياسيين»، ومعلنين «سنتصدّى له ولكم بكلّ الوسائل».
رغبة إيرانية بتلبية مبادرات تعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي
أكد النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر أنّ «إيران تدعم كل المشاريع والمبادرات التي تهدف الى تعزيز الاستقرار في لبنان»، وفق ما نقلت «وكالة إرنا للانباء» الإيرانية الرسمية.
وأشاد مخبر، خلال مباحثات هاتفية مع كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري «بالمواقف الشجاعة للشعب اللبناني».
وأكد «ضرورة الحفاظ على السلام والاستقرار في لبنان»، مشيراً إلى أنّ طهران «لن تدخر أي جهد في دعم الحكومة والشعب اللبنانيين، وترحب بكل المبادرات التي تعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني».
في المقابل، أكد كل من بري وميقاتي «توسيع وتوطيد العلاقات الودّية، وفي كل المجالات، بين بيروت وطهران».
وتلقى مخبر، خلال المباحثات، «دعوة رسمية للقيام بزيارة لبنان في سياق الأهداف المشتركة لتطوير التعاون الثنائي أكثر فأكثر»، وفق «إرنا».