لبنان
«السيدة الأولى» المرشّحة لـ «الكرسي الأولى» في لبنان ... ترايسي شمعون تراودها الرئاسة ابا عن جد
الراي الكويتية
Thursday, April 21, 2022
تريسي داني كميل شمعون... هذه السيدة اللبنانية وريثة اسميْن بارزيْن في عالم السياسة اللبنانية. جدها الرئيس كميل شمعون، ووالدها رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» داني شمعون، الذي اغتيل وزوجته انغريد وطفلاه طارق وجوليان عام 1990.

ورثت اسم العائلة كما آلامها ومآسيها، وورثت صداقاتها وعداواتها. شهدت أيام العز اللبناني، وأيام الحرب المأسوية. عاشت في لبنان وهاجرت ورجعت اليه ثم غادرتْه، وعادت اليه.

في كل مرة تحمل حقائبها وترحل عنه، ثم تأتيه ساعية الى المشاركة في الحياة السياسية، من باب ما ورثتْه من أفكار جدّها ووالدها وتَمَسُّكها بالعيش المشترك وقِيِم التسامح والمحبة، كما تقول في أحاديث صحافية واذاعية... وهي غالباً ما تُرَدِّد أن مغادرة بيروت لم تكن يوماً سهلة، رغم كل ما كانت تشهده من فوضى وعنف.

سفيرة لبنان في الأردن (يوليو 2017 - أغسطس 2020)، التي قدّمت استقالتها بعد انفجار مرفأ بيروت، لا تترك السياسة حتى تعود اليها مجدداً، وها هي تترشح اليوم الى رئاسة الجمهورية اللبنانية ـ كما فعل والدها عام 1988، وكما فعل جدّها عام 1952.

تريسي شمعون، ابنة داني شمعون وباتي مورغن (عارضة أزياء وسيدة أعمال استرالية)، وُلدت في لبنان عام 1960 وعاشت فيه، وعرفتْ مجدَ عائلتها من الرئيس كميل شمعون وزوجته زلفا تابت شمعون، الثنائي الذي أعطى طابعاً راقياً وارستقراطياً للحياة السياسية في لبنان، مازجيْن بين الألق والترف والتواضع والحداثة والمهرجانات الثقافية، وتركا بصمات في المحافل الثقافية والسياسية الدولية.

عاشتْ ابنة داني شمعون فصولَ صعود والدها السياسي مع بداية الحرب، وهي تروي في كتابيْها «باسم الأب» و«ثمن السلم» مراحل حياة العائلة والعلاقة مع جدّيْها ومع وعائلتها المكوّنة من داني، ودوري شمعون، النائب ورئيس حزب «الوطنيين الأحرار» سابقاً ووالد النائب الحالي كميل شمعون.

كتاباها يعبّران بتفاصيل كثيرة عن علاقتها بوالديها، بما تركه من تأثير انفصالهما، علاقتها بالايمان، واكتشافها معنى الحياة التي تعرّضت فيها لصدمات كثيرة، خسارتها لوالدها وأصدقائها، ثم زواجها وانجاب ابن وحيد.

تروي كيف تعلمت مسامحة نفسها وتقبُّل عثراتها وضعفها ونقاط قوتها. وهي تتحدث عن السياسة من منظار قِيِم عائلتها والبصمات التي تركتْها فيها.

في مطلع حرب 1975، كان داني شمعون بمثابة اليد اليمنى لوالده كميل شمعون الذي تحوّل أحد أبرز وجوه الحياة السياسية بعدما صار رئيساً سابقاً للجمهورية ومرشحاً دائماً لها. تولى داني شمعون قيادة «نمور الأحرار»، الذراع العسكرية للحزب الذي أسّسه الرئيس السابق.

ومع بداية الحرب وصعود نجم الرئيس بشير الجميّل، تروي تريسي شمعون مأساة عائلتها في الهجوم الذي شنّه بشير على حزب الأحرار وعلى مكان اقامة عائلتها في الصفرا (شمال بيروت) حيث كانت ووالدتها وجدّتها.

وتقول في كتابها «ثمن السلم» ان «برنامج الأحرار والكتائب كان مختلفاً. كان توجه عائلتي المستمَدّ من رؤية جدي يرتكز على منظور وطني يجعلها ترفض أن تُعرف بحسب قيود ومعايير دينية أو جغرافية. كانت تمثل حركة وطنية... والتزمت بمفهوم لبنان الموحد الذي يشمل تعايش المسيحيين والمسلمين. في المقابل قامت الفلسفة الكتائبية على العقيدة الراسخة بأن لبنان سيكون أفضل حالاً اذا قُسّم».

تعرّضت تريسي لتجربة ترويها بتفاصيل قاسية عما مرّت به في منزل شمعون في الصفرا حيث قُتل عشرات العناصر من الأحرار.

وتقول: «قام رجال بشير باستعراضنا في اطار جولة على جميع ثكناتهم العسكرية».

تُحَمِّل بشير الجميل مسؤولية اغتيال النائب طوني فرنجية وعائلته، وتورد «كان في الفريق الذي تولى عملية الهجوم على منزل آل فرنجية مُقاتِل شاب يدعى سمير جعجع وقد أصيب خلال العملية. بعد سنوات شق ذلك المقاتل طريقه الدموي صعوداً الى أعلى مراتب السلطة».

استوعب كميل شمعون ما فعله حزب «الكتائب» وكان دائماً يردد أنه حافظ بذلك على وحدة ما كان يُعرف آنذاك ببيروت الشرقية وعدم السماح بمزيد من الاقتتال الداخلي. لكنها لم تستطع أن تنسى وهي تردد دائماً انها تحاول أن تسامح.

لكن المراهِقة التي شهدت انهيارات عائلية وسياسية في المنزل والحزب، غادرت الى لندن لتعود بعد عام الى بيروت بناء على الحاح من جدها ووالدها. وهي تروي أن أحد أسباب مغادرتها انفصالُ والديْها بعد ارتباط والدها بانغريد التي أصبحت لاحقاً زوجته.

ظلت المأساةُ تُلاحِق تريسي، ولم تستطع نسيان ما جرى في الصفرا. الى أن جاء اغتيال والدها في أكتوبر 1990.

كان داني شمعون مقرباً من العماد ميشال عون، وهو أسس الجبهة اللبنانية الجديدة دعماً له.

وخاض معه معارك سياسية ووقف الى جانبه حتى اللحظات الأخيرة. وتروي كيف كان والدها مُعارِضاً لاتفاق الطائف، ورأى فيه وسيلة لوضع سورية يدها على لبنان. وتتحدث باسهاب عن العلاقة مع عون، الذي «مثّل آمال الشعب اللبناني».

لكنها تروي كذلك كيف رأت والدها الذي يدافع عن لبنان في وجه سورية، يصبح أسيرَ التطورات والحصار الذي فُرض على عون.

في 13 أكتوبر 1990 وبعد مغادرة عون الى السفارة الفرنسية، بدأت المخاوف الجدية تحوط بداني شمعون. فهو خصم شرس للنظام السوري وسبق أن تلقى تهديدات. كان شمعون يقطن في منطقة بعبدا، قريباً من القصر الجمهوري. في هذا المنزل اغتيل وعائلته، رغم تطمينات كثيرة وصلت اليه. نجت ابنته الصغيرة تمارا، بالصدفة.

ابنة السنة الواحدة، بقيت وحيدة من المجزرة التي أدت الى وفاة والديها وشقيقيها. تمارا التي أصبحت شابة ثلاثينية والتي عاشت كذلك مراهقتها في سويسرا وعادت الى بيروت تقول في ذكرى اغتيال والدها رداً على سؤال من ريكاردو كرم في مقابلة يتيمة أجريت معها «ان الانتقام لن يعيد عائلتي اليّ ويضعني في مستوى المجرمين الذين نفذوا الجريمة».

تروي تريسي كيف تلقت خبر اغتيال والدها في اتصال من والدتها، وهو اليوم الأكثر سواداً في حياتها، وكيف عادتْ الى بيروت الى شقة والدها حيث اغتيل. تركتْ لبنان مجدداً، لكنها عادت اليه لتشهد محاكمات رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في اغتيال والدها.

وهي تقول ان خلافاتها بدأت مع عمها دوري شمعون على خلفية الموقف من «القوات اللبنانية» وان «دوري كان يعترف ان جعجع قتل داني واذا كان سامحه فهذا يعني أنه معترف بأنه ارتكب العملية».

غادرت مجدداً وعادت الى بيروت، بعد أن كبر ابنها، كما تروي، لتطلق حزب «الديموقراطيين الاحرار» في مواجهة حزب «الوطنيين الاحرار»، وظلت على خلاف مع عمها. حتى انها كانت ترفض اقامته ذكرى اغتيال والدها، وتصرّ على اقامة ذكرى منفصلة. لم يشهد حزبها نجاحاً، الا انها ظلت حاضرة في الحياة السياسية.

عُيِّنت في عهد الرئيس عون، سفيرة لدى الأردن، حيث تربطها علاقات عائلية وقديمة مع عائلة الملك حسين والملك عبدالله، لكنها قدّمت استقالتها بعد انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس عام 2020.

وقالت ان خيار استقالتها كان انسجاماً مع ضميرها وتضامنها مع الشعب اللبناني لأن السياسيين لم يعودوا يمثلون اللبنانيين، وأعلنت انها في صفوف المعارضة التي تؤمن بالتغيير وبالانتخابات لتغيير الطبقة السياسية لبناء البلاد من الصفر.

لم تترشح تريسي الى الانتخابات النيابية، بخلاف ابن عمها كميل الذي خاض الانتخابات الى جانب «القوات اللبنانية» وفاز عن المقعد الماروني في قضاء بعبدا.

في العامين الماضيين، تغيرت مواقفها. وبتقديمها استقالتها بدأت تنتقد مسار العهد وما وصل اليه. زارت مقر حزب «القوات اللبنانية» في معراب أخيراً والتقت رئيسه سمير جعجع، وأعلنت أنها طوت صفحة الماضي ودعت الى تضامن القوى المسيحية، وتصالحتْ مع عمها دوري شمعون في زيارة لمقر حزب «الوطنيين الاحرار»، وأثنت على دور رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل.

باعلانها ترشيح نفسها لرئاسة الجمهورية يوم الاثنين المقبل، تفتتح تريسي شمعون صفحة الترشيحات، وهي السيدة الأولى التي تعلن ترشيحها، آتية من بيت سياسي وتاريخي، وعاملةً كما تقول على تجربتها الخاصة وعلاقاتها العربية والدولية.

لكنها خصوصاً تؤكد انها «لبنانية وكلما تركت لبنان تترك قلبها فيه»، وهي تعود اليه كما تعود دائماً الى دير القمر مسقط رأس عائلتها، وحيث دفنت عائلتها، وحيث ساحة داني شمعون، وكنيسة سيدة التلة شفيعة جَدها.

فهل سيكون لابنة دير القمر أن تمشي على خطى جَدها ويكون للبنان رئيسة للجمهورية؟

Copyright © 2022 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top