بدأت بيروت «تشدّ الأحزمةَ» مع قرب انتهاء «استراحة ما بين العاصفتين»، النيابية التي شكّلتْها انتخاباتُ 15 مايو، والرئاسية التي تطلّ مع بدء العدّ التنازلي لاسدال الستارة على ولاية الرئيس ميشال عون (31 اكتوبر المقبل).
فالخميس المقبل، يدخل لبنان منطقة الأعاصير الشديدة التي يُخشى أن يتشابك فيها عصْفُ الأزمات السياسية مع انهياراتٍ مالية يزداد إطباقُها على لبنانيين تطوّقهم اختناقاتٌ معيشيةٌ «مميتة» لن يموّهها موسمٌ سياحي واعِد وكأنه «رقص على الأطلال».
وإذا كان 23 الجاري سيَحمل تكليفاً أكيداً للشخصية التي ستتولى تأليف الحكومة، فإن «النصف الثاني» من المسار الحكومي محكومٌ بـ «الحروب التقليدية» نفسها التي سيزيد من ضراوتها هذه المرة أن البلاد باتت «في فوهة» الانتخابات الرئاسية.
وعلى طريقة «المكتوب يُقرأ من عنوانه» جاءت «البرقيات العاجلة» التي وجّهها فريق عون لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي يبدو متقدّماً على «آخَرين مجهولين» حتى الساعة، في محاولةٍ إما لإحراجه فإخراجه من السِباق الى التكليف، وإما تكبيله بشروط و«ضمانات» لمرحلة التأليف بحيث «لا تفلت من يديْ» رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
فباسيل، الذي يصعب أن يكون سلّم بأن حظوظه الرئاسية انتفت أو أن يقبل بأن يكون أقلّ من «الناخب الأول» مسيحياً في الانتخابات الرئاسية، لا يريد وفق أوساط مطلعة تسليف ميقاتي، أو غيره، ورقة تكليفٍ يَخشى أن يتم وضْعها في الجيْب فتبقى حكومة تصريف الأعمال الحالية هي الناظم السياسي لمرحلة الشغور الرئاسي التي يقف لبنان على مفترقها، خصوصاً أن توازنات الحكومة التي وُلدت في سبتمبر الماضي لا تمنح رئيس «التيار» أفضليةً كافية «للتحكم بأزرارها».
ومن هنا ترى الأوساط أن الانتقال من حكومة تكنو – سياسية بمعنى وزراء تقنيين سمّتّهم القوى السياسية، كما هي حال حكومة ميقاتي الحالية، إلى تشكيلة تكنوقراط مطعّمة بسياسيين «بلا أقنعة» ويُبْقي فيها التيار على حقائب أساسية مثل الطاقة والعدل والخارجية التي يتردّد أن باسيل يريدها لنفسه وبرغبة من رئيس الجمهورية، من شأنه وفق منظور التيار توفير أرضية ملائمة أكثر لانتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى حكومة مكتملة المواصفات ووفق توازنات تحْفظ الأرجحية له بوصفه «الوريث الميثاقيّ» للموقع الماروني الأول، ولا سيما أن حزب «القوات اللبنانية» جاهر بأنه سيرفض المشاركة في أي حكومة وحدة وطنية وأن الموازين السياسية لا تسمح لخصوم ائتلاف التيار و«حزب الله» بالتفرّد بتشكيلةِ لونٍ واحد.
ومن هنا تعتبر الأوساط أن التيار، الذي سبق أن رسم خطاً أحمر أمام أي محاولة لدفْع الملف الحكومي نحو مماطلة متعمّدة لإبقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية «حيّة» حتى دخول البلاد مدار الانتخابات الرئاسية ملوّحاً بقلب الطاولة عبر الإيحاء بأنه لن تكون هناك مهلة زمنية لموقع الرئاسة الأولى أي لولاية عون ضمناً، لن يرضى إلا بحكومة وفق شروطه أياً يكن الرئيس المكلف، رغم الاقتناع بأن حاجة باسيل الماسة لاستيلاد حكومة جديدة تشكل في ذاتها «خاصرة رخوة» لمعركته ويدركها خصومه.
وإذ ترى الأوساط أن إبقاءَ التيار خياراته مفتوحة في ما خص تسمية شخصية أخرى غير ميقاتي الخميس المقبل، قد تصعّب عليه هذه المَرّة اللعب على حبْلي لا نسمّي ميقاتي لكن نمنح حكومته الثقة النيابية كما حصل في التشكيلة الحالية، فإنها تدعو إلى رصْد خيارات المعارضة المشتَّتة، من قوى سيادية، حزبية ومستقلة، وتغييريين، وهل ستتمكّن من الاصطفاف وراء اسم محدّد يمكن أن «يَنْفذ» بالأكثرية النسبية ولا سيما إذا تعددت التسميات والتقاطعاتُ حولها.
وفي رأي الأوساط عيْنها أن مثل هذا السيناريو سيعني أن «حزب الله» سينتقل إلى «إدارة أخرى» للملف الحكومي يرسم معها «حدود اللعب» لحلفائه بما لا يمس الأولويات الاستراتيجية التي أعاد معها الجميع إلى «تحت سقفه» في استحقاقيْ انتخاب رئيس برلمان 2022 وانتخابات اللجان، وذلك أقله لضمان عدم دخول خصومه «شركاء مباشرين» في الفترة الانتقالية الحساسة عبر رئيس مكلف «متفلّت»، ولو أنه لن يكون قادراً على التأليف إلا أنه سيُرْبِك إمساكه بكل خيوط اللعبة الداخلية في مرحلة بالغة الدقة إقليمياً ودولياً.