صندوق النقد الدولي للبنان: أوْقِفوا شراء الوقت... وإلا
الراي الكويتية
Thursday, April 21, 2022
حصد الفريقُ الموفد من صندوق النقد الدولي المعني بالملف اللبناني، والذي يستكمل جولته على كبار المسؤولين في بيروت ضمن مهمة استطلاعٍ وتَحَقُّقٍ لمدة ثلاثة ايام تنتهي الأربعاء، باقاتِ وعودٍ تشريعية وتنفيذية وإجرائية من شأنها تلبية حزمة الشروط التي تعهدت الحكومة بانسياب غالبيتها قبل نهاية الشهر الحالي، ضمن موجبات استكمال الاتفاق الأوّلي المبرم مع البعثة عيْنها في شهر ابريل الماضي، وتوطئةً لرفْع الملف المكتمل الى الادارة المركزية للصندوق وعقد الاتفاق النهائي قبل نهاية السنة.

في الشكل، تبدو المهمة يسيرة نظير ما يسمعه الوفد الدولي برئاسة أرنستو راميريز من تأكيداتِ الجانب اللبناني حيال جدية الاستجابة المتدرّجة للالتزامات المنصوص عنها في الاتقاق على مستوى الموظفين، ومشفوعة بذرائع التأخير غير المتعمَّد والخاضع تلقائياً لواقع الاوضاع المضطربة والشائكة التي تمرّ بها البلاد بعد انجازها قبل نحو 4 أشهر استحقاق انتخاب مجلس نيابي جديد، وانخراطها الفوري في جبه استحقاقات متزامنة تشمل تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية الشهر المقبل، فضلا عن حسم القضية المحورية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل.

لكن ومع إبداء الوفد تفهُّمه لطبيعة المعوقات الداخلية، دستوريةً كانت أم سياسية، فهو حرص - كما علمت «الراي» من مصادر معنية ومتابعة - على التحذير من تداعياتٍ محتملة قد تطرأ على الملف نتيجة البطء الصريح في ملاقاة حماسة المؤسسة الدولية لتسريع الانتقال الى المحطة التنفيذية لبرنامج التمويل الائتماني الميسّر لمدة 46 شهراً وبقيمة 3 مليارات دولار، والأهمّ وضع لبنان واقتصاده ومجتمعه على سكة الإنقاذ والتعافي، بعدما بلغتْ أزماته النقدية والمالية والمعيشية ذروةَ التأزم على مدى ثلاث سنوات مكتملة من الانهيارات والتضخم المفرط.

ويشدد الوفد على حساسية عامل «الوقت» وضرورات التعجيل بإقرار «ملفات الحكومة اللبنانية في سياسات الاصلاح المالي والاقتصادي»، التي وصلت مسودتها المعدَّلة الى النواب إفرادياً متضمّنةً أبواب «برنامج الاصلاح المالي والاقتصادي، مذكرة بشأن السياسات المالية والاقتصادية، واستراتيجية النهوض بالقطاع المالي»، ولكن مع التنبه أيضاً لأهمية رفْدها بما سيرِد من تصويبات السلطة التشريعية، وما ورد من اقتراحات مصيبة أبدتْها الهيئات الاقتصادية ومكوّنات المجتمع المدني ابّان الرحلة الطويلة لخطة التعافي.

ولم يَفُتْ الوفد التنويه بحقيقة ان «دعم الصندوق لدول العالم الثالث أو البلدان المهدَّدة بالفقر قد انخفض نظراً لانخفاض إمكاناته»، بسبب توجيه جزء من الاحتياطات والموارد لمساعدة الكثير من الدول على احتواء الإنفاق الكبير الطارىء جراء وباء كورونا والحرب الأوكرانية وتداعيات ركود الاقتصادات الدولية وارتفاع مؤشرات التضخم في العالم أجمع، ليؤكد بالتالي مضمون تصريح المتحدث باسم الصندوق جيري رايس بأن التأخير في تنفيذ الإصلاحات الهيكيلة في لبنان سيؤدّي إلى زيادة التكاليف على البلد والاقتصاد والمواطنين، ولا سيما في ما خص إصلاح قانون السرية المصرفية بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، وإزالة العوائق التي تحول دون الإشراف الفعّال على القطاع المصرفي وإعادة الهيكلة، وإدارة الضرائب، فضلاً عن التحقيق في الجرائم المالية واستعادة الأصول المختلسة.

وتؤكد المصادر المتابعة، ان الوفد يتعامل بديبلوماسية ظاهرة مع إغداق الوعود، إنما يطلب بحزمٍ تحديدَ خريطة طريق واضحة وشفافة للخروج من نفق الأزمات المتفشية ومسنودة بمواقيت ومهل زمنية تتوافق مع مراحل البرنامج التمويلي المنشود. ولذا فهو يتطلع الى تغيير جدي ومنهجي في سلوك السلطات المعنية بعد تجديد انطلاقة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والاستثمار المجدي في تضافر الجهود لإرساء توافق داخلي عريض يكفل الاستجابة المكتملة لمواصفات الإنقاذ وشروط التعافي الاقتصادي السليم.

وتشير إلى أن إدارة المؤسسة الدولية تتحرك من منطلق الدراية التامة بالأوضاع في لبنان، وهي لديها شبكة واسعة من العلاقات مع مسؤولين وخبراء ومراكز بحثية محلية وخارجية معنية بالشؤون اللبنانية. ولذا، فإن هامش المناورة المتاح للجانب اللبناني ضيق للغاية. وبالتالي، فإن الخيارالفعلي ينحصر تلقائياً بالخروج من سياسات المماطلة وشراء الوقت والتوصل الى وضع برنامج زمني صريح وسريع لتنفيذ الموجبات التي توصل لإبرام اتفاقية البرنامج بصيغته النهائية والمكتملة.

وبالفعل، أوضح وزير المال يوسف الخليل للوفد الزائر طبيعة الاشكالات التي رافقتْ طرح مشروع قانون موازنة العام الحالي في المجلس النيابي، وما نتج عنها من تأخير في إقراره، مبيّناً أن الموازنة المطروحة مجدداً أمام الهيئة العامة للمجلس يوم 26 الجاري «هي فقط لتلبية حاجات الناس الأساسية من الغذاء والصحة والتعليم. أما الخطوات الاستراتيجية فستكون نقطة الارتكاز في موازنة 2023. فهكذا فعلت الدول التي مرت بنفس الظروف وأعادت تصحيح الأوضاع الاقتصادية والمالية والقدرات الاستثمارية».

وأوضح الخليل «تعرّضنا لانتقادات إزاء الموازنة بأرقام ومواقف غير صحيحة، وليس أمامنا إلاّ هذه الموازنة اليتيمة التي أعددناها منذ قرابة سنة والتي ناقشنا غالبية بنودها مع صندوق النقد. وهي تتلاءم مع اقتراحاته، وخصوصاً لجهة ميزان المدفوعات والميزان التجاري وما يحزّ في النفوس هو إضاعة الوقت بالمزايدات دون الاطلاع كفاية على الواقع، ومضيفاً:»ان الدولة تجبي على سعر صرف 1500 ليرة للدولار، بينما تنفق على أساس سعر السوق (يبلغ 38 الف ليرة للدولار حالياً) ما يولد عجزاً هائلاً. وهناك مستفيدون من ذلك هم مَن يجب ان تطالهم الرسوم الجمركية وفق السعر الذي سيحدّد خصوصاً وأننا بلد مستورد من الخارج".

في الخلاصة، وفق وزير المال فإن «من السهولة الانتقاد لكن ما العمل؟ هنا يبقى السؤال الكبير الذي يجب إيجاد الاجابة عليه: ما هو الحل ؟». مضيفاً: «نحن في مرحلة صعبة جداً. لقد سبق أن تخلّفنا عن سداد ديون مهمة، وباتت أمامنا مشكلة هي عدم قدرتنا على الحصول على دعم من الخارج خصوصاً بعد الأزمة الأوكرانية، حيث أصبح الاهتمام الدولي يتركز عندها وبتنا أمام واقع الاعتماد على أنفسنا أكثر من أي وقت. وهذا ما نحاول القيام به، وعلينا جميعاً مسؤولين ومواطنين وعي أهمية الوقوف صفاً وحداً وفي جهد واحد من أجل المعالجة، لا أن نُطْلق الاتهامات والمواقف الشعبوية».

في السياق عينه، صرّح وزير الاقتصاد أمين سلام بعد اجتماعه بوفد الصندوق «تطرقنا لكل التطورات الأخيرة التي تتعلق بالقوانين الإصلاحية التي يطلبها صندوق النقد وتحديداً قانون الكابيتال كونترول، وقانون السرية المصرفية، وقانون إعادة هيكلة المصارف وقانون الموازنة 2022. ومما لا شك فيه أن صندوق النقد يحمل رسالة شديدة الوضوح بالاستعجال بإقرار هذه القوانين وإنهائها لأنه من دون إقرارها لن نستطيع السير إلى الأمام وصولاً لاتفاق نهائي مع الصندوق».

Copyright © 2022 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top