إنزال «أسلحة الاحتياط» إلى المعركة الحكومية في لبنان: التلويح باستقالة وزراء مسيحيين مناورةٌ أم... تفخيخ؟
الراي الكويتية
Thursday, April 21, 2022
لم يَعُد الحديثُ عن شبه استحالةِ إحداثِ اختراقٍ في «الجدار الحديد» الذي يحتجز عمليةَ تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان مجرّد تقديراتٍ ترتكز على الشبكة العنكبوتية من التعقيدات والحسابات المتضاربة التي تَحْكم هذا الاستحقاق، بعدما بدأ أطرافُ الصراع المتعدد الرأس «يكشّرون عن أنيابهم» في ما يشي بأن يكون منازَلةً «بالنقاط» يُخشى ألّا يسقط بـ «ضربتها القاضية» إلا الوطن الذي يترنّح فوق... أرض محروقة.
وقبل سبعة أسابيع ونيّف من تدشين سبحة جلساتِ انتخاب رئيس جديد للجمهورية في مستهلّ مهلةٍ دستورية تبدأ في الأول من سبتمبر (وحتى نهاية الولاية الرئاسية في 31 اكتوبر)، يشتدّ «عض الأصابع» بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون ومِن خلفهما لاعبون محليون مستترون أو ينتظرون على «مقاعد الاحتياط» مآل تأليفٍ يُخاض على قاعدتيْن:
الأولى تعبيد الطريق الرئاسية بعد شغورٍ يحتاج «تصفيحه» لحكومةٍ مكتملة المواصفات يريدها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل (صهر عون) إما لحجْز موقعٍ رئيسي في العهد الجديد عبر الامساك بمواقع إدارية ومالية - مصرفية - نقدية وعسكرية وأمنية من خلال ملء الشواغر فيها أو إحداث تغييرات ببعضها (مثل حاكمية مصرف لبنان) بحال لم تُفْضِ المعادلاتُ الداخلية والاقليمية لوصوله الى قصر بعبدا، وإما لمساعدته على إدارة عملية انهاكٍ «حتى الرمق الأخير» لخصومه توفّرها له تشكيلةٌ حكومية بتوازناتٍ أكثر ملاءمة لتطلعاته الرئاسية.
والثانية يتقاطع فيها غالبيةُ خصوم العهد، من قوى المعارضة لائتلاف «حزب الله» و«التيار الحر» أو من حلفاء له، عند رفْض منْح باسيل مكافآتٍ على طريقة «الهدايا البديلة» عن الرئاسة أو تعزيز حظوظه الرئاسية عبر حكومة بشروطه، معتبرين أن بقاء حكومة تصريف الأعمال أفضل من تشكيلةٍ لن يكون ممكناً القفز فوق سلّة أهداف باسيل منها باعتبار أن رئيس الجمهورية يملك «التوقيع الذهبي» على مراسيم التأليف، كما أن عدم قيام حكومة جديدة سيشكّل عامل ضغط إضافياً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي و«طي صفحة» عهد عون لمرة واحدة نهائية.
وعلى هذا «المَسْرح» تحديداً يدور شدُّ الحبالِ الحكومي، وسط ارتسامِ محاولةٍ لإحداث «توازن رعب» تَظَهَّرَتْ مَعالمُه أكثر فأكثر في الساعات الماضية مع تلويح فريق عون عبر تسريباتٍ إعلامية بـ «أسلحة الاحتياط» في معركة التأليف وذلك على قاعدة «إما حكومة جديدة بشروطنا واما تطيير حكومة تصريف الأعمال»، وذلك عبر «استقالة» الوزراء المسيحيين المحسوبين على رئيس الجمهورية والتيار الحر منها، بما يصيب عصفوريْن في حجر واحد:
الأول «قطْع رِجْل» الحكومة العرجاء أصلاً منذ استقالتها الحُكْمية بعد الانتخابات النيابية الأخيرة (مايو) ومنْعها من أي عملٍ لا في الحدود الضيّقة لتصريف الأعمال ولا الموسَّعة التي يلوّح بها ميقاتي في سياق تأكيد أن «العمل ماشي» مُطْمَئنّاً لامساكه بمفتاحيْ التكليف والتصريف.
والثاني زرْع «مفخَّخة» دستورية - سياسية في طريق سيناريو إمكان أن ترث حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة الأولى بحال حصل شغور رئاسي، وذلك عبر الطعن بميثاقيتها وشرعيتها السياسية.
وتم التعاطي مع التلويح بورقة «الاعتكاف من تصريف الأعمال» والانسحاب من تغطية الحكومة المستقيلة على أنه في سياق «الضغط الأقصى» الذي سيكون أي اعتمادٍ له على طريقة «آخر الدواء الكيّ» من فريق عون لفرْض تشكيل «حكومته» بعدما أَظْهَرَ الرئيس ميقاتي صلابةً في رفْض التخلي عن الهيكلية التي يريدها لأي حكومة جديدة انطلاقاً من التشكيلة التي قدّمها إلى رئيس الجمهورية وهي نسخة مُطَوَّرة عن حكومة تصريف الأعمال مع تبديلات في 5 حقائب وانتزاع حقيبة الطاقة من «التيار الحر» تاركاً لعون أن يعدّل في اسم أو 2 منها، وهو ما اعتبره فريقه «استهدافاً ومحاولةً لكسْر الرئيس واستدراجاً مكشوفاً لعدم القبول بصيغةٍ يدرك سلفاً أنها لا يمكن أن تمرّ».
وبدا من المبكر الجزمُ بما إذا كان التهديد باستقالة وزراءِ عون من استقالتهم مجرّد مناورة مبكرة لرفْع مستوى «التحدي»، وسط اقتناعٍ بأن مثل هذه «الخرطوشة» لا يتحكّم بـ «الضغط على زنادها» باسيل لوحده، ذلك أن «حزب الله» سيقيسها بالتأكيد في ضوء تشظياتها على علاقاته مع حلفاء آخرين له أولاً، كما على مجمل المسار العام في لبنان الذي يقف أصلاً فوق «حبل مشدود»، والأهمّ بنتائجها على الاستحقاق الرئاسي الذي لن يتخلى الحزب عن التحكّم بتوقيت إجرائه وفق مقتضياتٍ محلية – إقليمية، ولا عن إدارته بهوامش تُبْقي خياراته مفتوحة بالنسبة إلى الشخصية التي سيكون «عرّاب» إيصالها الى الرئاسة.
ولم يكن عابراً أن ميقاتي «ردّ التحدي» من فريق عون، حيث نقل عنه موقع «لبنان 24» (المحسوب عليه) استغرابه «الكم الكبير من التسريبات والتحليلات التي يُستَشف منها محاولة واضحة للضغط عليه في ملف تشكيل الحكومة»، وآخر التسريبات التي أطلقت نقلاً عن مصدر مقرّب من رئيس الجمهوريّة أن«سيناريو محتمل يتمّ تداوله في محيط الرئيس عون، ومعه شخصيّاً، يقضي بتقديم عددٍ من الوزراء المسيحيّين، وتحديداً مَن يمون عليهم الرئيس عون والنائب جبران باسيل، استقالتهم من الحكومة، رغم أنّها في مرحلة تصريف الأعمال ومحاولة توسيع دائرة الاستقالات».
ونقل الموقع عن أوساط معنية تعليقها على هذا السيناريو، قائلة «إنه بالتأكيد فصل جديد من المغامرات الدونكيشوتية في محاربة طواحين الهواء التي باتت سمة السنوات الماضية، وهذه (المغامرة) التي يتم رسم فصولها سيدفع ثمنها اللبنانيون بالدرجة الاولى، وستؤدي الى تقويض ما تبقى من مقومات للدولة، وعندها فليتحمل من رسم هذا السيناريو تبعات ما قد يحصل».
واعتبرت الأوساط «أن من سرّب الخبر فضح، من حيث يقصد أو لا يقصد، أن باسيل هو شريك أساسي في القرار الرئاسي على كل المستويات، مؤكداً ما تقوله غالبية اللبنانيين والمعنيين محلياً وخارجياً في هذا الصدد»، مضيفة ان «الرئيس المكلّف قام بواجباته في تقديم تشكيلته التي رسمت الإطار الفعلي لتصوره الحكومي، وهو بانتظار ان يستكمل مع رئيس الجمهورية ملاحظاته عليها. كما انه مستمر مع الوزراء في متابعة الملفات كافة واتخاذ القرارات المناسبة في شأنها، بالتوازي مع الاستعدادات للجلسة النيابية المتوقعة بعد العيد لاقرار المشاريع الاصلاحية».
وختمت الأوساط «أما اذا كان هناك مَن يريد بعد كل ما حصل أن يقود البلد الى مغامرة جديدة فليتحمل تبعات فعلته، وطنياً ودستورياً وسياسياً».
في موازاة ذلك، لم تهدأ تفاعلات ملف ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل وخصوصاً في ضوء المسيّرات التي أطلقها«حزب الله»فوق حقل«كاريش».
وبينما كان الجيش الإسرائيلي يشير إلى أن «القبة الحديد» قامت باعتراض طائرة مسيرة إضافية تابعة لـ«حزب الله» الثلاثاء كانت متجهة إلى منصة كاريش وتم اعتراضها وإسقاطها في المياه اللبنانية بعيداً عن الحدود البحرية مع إسرائيل، كان عون يُبْدي تفاءلاً بأن «مسألة ترسيم الحدود البحرية الجنوبية ستنتهي قريباً، والحل سيكون لمصلحة لبنان ويرضي الجميع والا تتحول المسألة الى وضع يد لطرف على الآخَر، وأصبحنا على مشارف التفاهم مع الأميركيين الذين يتولون الوساطة بين لبنان واسرائيل»، مؤكداً «الأجواء ايجابية وإلا كنا أوقفنا التفاوض».
وقال عون في حديث تلفزيوني رداً على سؤال «ماذا عن الباخرة التي يقال إنها تعمل في حقل كاريش»: «على حد علمي، ما بعرف شو صار بالليل لما راحوا المسيرات (الدرونز)».